أو هما بها فلا نقل ، لأن الوحشة لا تطول بينهما ، ولو انتقلت لبلد أو مسكن بإذن زوجها فوجبت العدة ، ولو قبل وصولها إليه اعتدت فيه لأنها مأمورة بالمقام فيه ، فإن انتقلت لذلك بلا إذن فتعتد في الأول وإن وجبت العدة بعد وصولها للثاني لعصيانها بذلك. نعم إن أذن لها بعد انتقالها أن تقيم في الثاني فكما لو انتقلت بالإذن.
ولو أذن لها في الانتقال فوجبت العدة قبل خروجها اعتدت في الأول. ولو سافرت بإذن زوجها فوجبت في الطريق فعودها أولى من مضيها ، فإن مضت وجب عودها بعد انقضاء حاجتها إن سافرت لها ، أو بعد انقضاء مدة الإذن إن قدر لها مدة ، أو مدة إقامة المسافر إن لم تقدر لها مدة في سفر غير حاجتها.
ولو خرجت فطلقها وقال : ما أذنت في الخروج ، أو قال ـ وقد قالت : أذنت في نقلتي ـ : أذنت لا لنقلة ، صدق بيمينه ، ولو كان المسكن ملكا له ويليق بها تعين ؛ لأن تعتد فيه كما مر ويصح بيعه في عدة أشهر كالمكتري ، أو كان مستعارا ، أو مكرى وانقضت مدة الكراء انتقلت منه إن امتنع المالك ، وإن كان ملكا لها تخيرت بين الاستمرار فيه بإعارة أو إجارة والانتقال منه كما لو كان المسكن خسيسا ، ويخير هو إن كان نفيسا وسكنى المعتدة عن فرقة واجب على الزوج حيث تجب نفقتها عليه لو لم تفارق ، سواء أكانت الفرقة بطلاق أو فسخ أو وفاة لقوله تعالى : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) [الطلاق : ٦] وقيس به الفسخ بأنواعه بجامع فرقة النكاح في الحياة ، ولخبر فريعة بنت مالك في الوفاة : «أن زوجها قتل فسألت النبي صلىاللهعليهوسلم أن ترجع إلى أهلها ، وقالت : إن زوجي لم يتركني في منزل يملكه ، فأذن لها في الرجوع ، قالت : فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد ، دعاني فقال : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله ، قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا» (١) صححه الترمذي وغيره.
وقرأ ابن كثير وأبو بكر بفتح الياء التحتية ، والباقون بكسرها (وَتِلْكَ) أي : الأحكام العالية جدا لما فيها من الجلالة وبانتسابها إلى الملك الأعلى من هذا الذي ذكر في هذه السورة وغيرها (حُدُودُ اللهِ) أي : الملك الأعظم (وَمَنْ يَتَعَدَّ) أي : يقع منه في وقت من الأوقات أنه تعمد أن يعدو (حُدُودُ اللهِ) أي : الملك الذي لا كفء له أو بعضها كأن طلق بدعيا (فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) أي : عرضها للعقاب.
وقرأ قالون وابن كثير وعاصم بإظهار الدال عند الظاء ، والباقون بالإدغام (لا تَدْرِي) أي : نفس ، أو أنت أيها النبي ، أو المطلق (لَعَلَّ اللهَ) أي : الذي بيده القلوب ومقاليد جميع الأمور (يُحْدِثُ) أي : يوجد شيئا حادثا لم يكن إيجادا ثابتا لا تقدر الخلق على التسبب في زواله (بَعْدَ ذلِكَ) أي : الحادث من الإساءة والبغض (أَمْراً) بأن يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها ، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها ، ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه فيراجعها.
وقال أكثر المفسرين : أراد بالأمر هنا الرغبة في الرجعة ، ومعنى الكلام التحريض على طلاق الواحدة والنهي عن الثلاث ، وهذا أحسن الطلاق وأحله في السنة وأبعده عن الندم.
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الطلاق حديث ٢٣٠٠ ، والترمذي في الطلاق حديث ١٢٠٤ ، وابن ماجه في الطلاق حديث ٢٠٣١ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٧ / ٤٣٤ ، ٤٣٥ ، والدارمي في الطلاق حديث ٢٢٨٧.