وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً (١١) اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (١٢))
(وَاللَّائِي يَئِسْنَ) أي : من المطلقات (مِنَ الْمَحِيضِ) أي : الحيض الآية. وقال مقاتل : لما ذكر قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨] قال خلاد ابن النعمان : يا رسول الله فما عدة التي لم تحض وعدة التي انقطع حيضها وعدة الحبلى فنزلت ، وقيل : إن معاذ بن جبل سأل عن عدة الكبيرة التي يئست فنزلت ، وقال مجاهد : الآية واردة في المستحاضة لا تدري دم حيض هو أو دم علة. واختلف في سن اليأس فالذي عليه الأكثر أنه اثنان وستون سنة ، وقيل : خمس وخمسون ، وقيل : ستون ، وقيل : سبعون.
ولما كان هذا الحكم خاصا بأزواج المسلمين لحرمة فرشهم وحفظ أنسابهم قال تعالى : (مِنْ نِسائِكُمْ) أي : أيها المسلمون سواء كن مسلمات أو من أهل الكتاب (إِنِ ارْتَبْتُمْ) أي : شككتم في عدتهن (فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) كل شهر يقوم مقام حيضة لأن أغلب عوائد النساء أن يكون كل قرء في شهر (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) أي : لصغرهن أو لأنهن لا حيض لهن أصلا ، وإن كن بالغات فعدتهن ثلاثة أشهر أيضا هذا كله في غير المتوفى عنهن أزواجهن ، أما هن فعدتهن ما في آية (أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) [البقرة : ٢٣٤] وقرأ : (وَاللَّائِي) في الموضعين ابن عامر والكوفيون بالهمز وياء بعده ، وقرأ قالون وقنبل بالهمز ولا ياء بعده ، وللبزي وأبي عمرو أيضا إبدال الهمزة ياء ساكنة مع المد لا غير.
ولما فرغ من ذكر الحوائل أتبعه ذكر الحوامل بقوله تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ) أي : من جميع الزوجات المسلمات والكافرات المطلقات والمتوفى عنهن (أَجَلُهُنَ) أي : لمنتهى العدة سواء كان لهن مع الحمل حيض أم لا (أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) وهذا على عمومه مخصص لآية (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) لأن المحافظة على عمومه أولى من المحافظة على عموم ذاك في قوله تعالى : (أَزْواجاً) لأن عموم هذه بالذات لأن الموصول من صيغ العموم وعموم أزواجا بالعرض لأنه بدل لا يصلح لجميع الأزواج في حال واحد ، والحكم معلل هنا بوصف الحملية بخلاف ذاك ، ولأن هذه الآية متأخرة النزول عن آية البقرة فتقديمها على تلك تخصيص ، وتقديم تلك في العمل بعمومها رفع لما في الخاص من الحكم فهو نسخ ، والأول هو الراجح للوفاق ، ولأن سبيعة بنت الحارث وضعت حملها بعد وفاة زوجها بليال فأذن لها النبي صلىاللهعليهوسلم أن تتزوج.
تنبيه : إذا وضعت المرأة ما في بطنها من علقة أو مضغة حلت عند مالك ، وقال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة : لا تحل إلا بوضع ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان ، فإن كانت حاملا بتوأمين لم تنقض عدتها حتى تضع الثاني منهما ، ولا بد أن يكون الحمل منسوبا لذي العدة ، أما إذا كان من زنا فلا حرمة له والعدة بالحيض.
ولما كانت أمور النساء في المعاشرة والمفارقة في غاية المشقة كرر بالحث على التقوى إشارة إلى ذلك ، وترغيبا في لزوم ما حده سبحانه فقال عاطفا على ما تقديره فمن لم يحفظ هذه