رواية : «كل جواظ زنيم متكبر» (١). الجواظ : الجموع المنوع ، وقيل : الكثير اللحم المختال في مشيته ، وقيل : القصير البطين ، وقال عكرمة : هو ولد الزنا الملحق في النسب بالقوم ، وكان الوليد دعيا في قريش ، ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة من مولده قال الشاعر فيه (٢) :
زنيم ليس يعرف من أبوه |
|
بغي الأمّ ذو حسب لئيم |
قيل : بغت أمه ولم يعرف حتى نزلت الآية ، وهذا لأن الغالب أن النطفة إذا خبثت خبث الولد كما روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يدخل الجنة ولد زنا ولا ولده ولا ولد ولده» (٣). وقال عبد الله بن عمر : إن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن أولاد الزنا يحشرون يوم القيامة في صور القردة والخنازير» (٤). ولعل المراد به الدخول مع السابقين ، وإلا فمن مات مسلما دخل الجنة ، وقالت ميمونة : سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا فإذا فشى فيهم ولد الزنا أوشك أن يعمهم الله بعذابه» (٥). وقال عكرمة : إذا كثر ولد الزنا قحط المطر. قال القرطبي : ومعظم المفسرين على أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وكان يطعم أهل منى حيسا ثلاثة أيام ، وينادي ألا لا يوقدنّ أحد تحت برمة ألا لا يزجين أحد بكراع ، ألا من أراد الحيس فليأت الوليد بن المغيرة ، وكان ينفق في الحجة الواحدة عشرين ألفا وأكثر ، ولا يعطي المسكين درهما واحدا وقيل : مناع للخير ، وفيه نزل (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) [فصلت : ٦ ـ ٧].
ولما كان حطام هذه الدنيا كله عرضا فانيا وظلا متقلصا زائلا لا يفتخر به ولا يلتفت إليه إلا من كان بهذه الأوصاف ، فإذا كان ذلك أكبر همه ومبلغ علمه أثمر له الترفع على الحقوق والتكبر على العباد ، قال الله تعالى : (أَنْ) أي : لأجل أن (كانَ) أي : هذا الموصوف (ذا مالٍ) أي : مذكور بالكثرة (وَبَنِينَ) أنعمنا عليه بهما ، فصار يطاع لأجلهما ، فكان بحيث يجب عليه شكرنا بسببهما. (إِذا تُتْلى) أي : تذكر على سبيل المتابعة (عَلَيْهِ) ولو كان ذلك على سبيل الخصوص له (آياتُنا) أي : العلامات الدالة دلالة هي في غاية الظهور على الملك الأعلى وعلى ما له من صفات العظمة (قالَ) أي : مفاجأة من غير تأمل ولا توقف عوضا عن شكرنا (أَساطِيرُ) جمع سطور جمع سطر (الْأَوَّلِينَ) أي : أشياء سطروها ودونوها وفرغوا منها ، فحمله دنيء طبعه على تكثره بالمال ، فورطه في التكذيب بأعظم ما يمكن سماعه ، فجعل الكفر موضع الشكر ، ولم يستح من كونه يعرف كذبه كل من سمعه ، فأعرض عن الشكر ووضع موضعه الكفر ، فكان هذا دليلا على جميع تلك الصفات السابقة ، مع التعليل بالاستناد إلى ما هو عند العاقل أو هى من بيت العنكبوت ، والاستناد إليه وحده كاف في الاتصاف بالرسوخ في الدناءة.
وقرأ ابن عامر وشعبة وحمزة بهمزتين مفتوحتين وابن عامر يسهل الثانية ، وشعبة وحمزة
__________________
(١) أخرجه مسلم في الجنة حديث ٢٨٥٣.
(٢) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.
(٣) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال ١٣٠٩٥ ، ٤٣٩٠٧ ، ٤٣٩٩٧ ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ٢ / ٣٠٨ ، والبخاري في التاريخ الكبير ٢ / ٢٥٧.
(٤) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٨ / ٢٣٤ ، والعقيلي في الضعفاء ٢ / ٧٥ ، والذهبي في ميزان الاعتدال ٣ / ١٥٦.
(٥) أخرجه أحمد في المسند ٦ / ٣٣٣.