بتحقيقهما وهشام على أصله يدخل بينهما ألفا والباقون بهمزة واحدة مفتوحة. قال القرطبي : فمن قرأ بهمزة مطولة أو بهمزتين محققتين ، فهو استفهام والمراد به التوبيخ ، ويحسن له أن يقف على (زَنِيمٍ) ويبتدىء (أَنْ كانَ) على معنى ألأن كان ذا مال وبنين تطيعه؟ ويجوز أن يكون التقدير : ألأن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال : أساطير الأولين ، ويجوز أن يكون التقدير : ألأن كان ذا مال وبنين يكفر ويستكبر؟ ودل عليه ما تقدم من الكلام ، فصار كالمذكور بعد الاستفهام ، ومن قرأ أن كان بغير استفهام فهو مفعول من أجله ، والعامل فيه فعل مضمر ، والتقدير : يكفر لأن كان ذا مال وبنين ، ودل على هذا الفعل (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ولا يعمل في إذا تتلى ولا قال ، لأن ما بعد إذا لا يعمل فيما قبلها ؛ لأن إذا تضاف إلى الجمل التي بعدها ، ولا يعمل المضاف إليه فيما قبل المضاف. وقال : جواب الجزاء ولا يعمل فيما قبل الجزاء إذ حكم العامل أن يكون قبل المعمول فيه ، وحكم الجواب أن يكون بعد الشرط ، فيصير مقدما مؤخرا في حال واحد.
ويجوز أن يكون المعنى : لا تطعه لأن كان ذا يسار وعدد. قال ابن الأنباري : ومن قرأ بلا استفهام لم يحسن أن يقف على زنيم ، لأن المعنى : لأن كان ذا مال كان ، فأن متعلقة بما قبلها. وقال غيره : يجوز أن تتعلق بقوله تعالى : (مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) والتقدير : يشمي بنميم لإن كان ذا مال وبنين ، وأجاز أبو علي أن تتعلق بعتل. ومعنى (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أباطيلهم وترهاتهم.
(سَنَسِمُهُ) أي : نجعل له سمة ، أي : علامة يعرف بها (عَلَى الْخُرْطُومِ) أي : الأنف يعير بها ما عاش ، قال ابن عباس : سنسمه سنخطمه بالسيف ، قال : وقد خطم الذي نزلت فيه يوم بدر بالسيف ، فلم يزل مخطوما إلى أن مات ، والتعبير عن الأنف بهذا للاستهانة والاستخفاف. وقال قتادة : سنسمه يوم القيامة على أنفه سمة يعرف بها. وقال الكسائي : سنكويه على وجهه وقال أبو العالية ومجاهد : سنسمه على الخرطوم ، أي : على أنفه ونسوّد وجهه في الآخرة فيعرف بسواد وجهه قال تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) [آل عمران : ١٠٦] فهي علامة ظاهرة (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) [طه : ١٠٢] وهذه علامة أخرى ظاهرة.
وأفادت هذه الآية علامة ثالثة : وهي الوسم على الأنف بالنار ، وهذا كقوله تعالى : (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) [الرحمن : ٤١] قال القرطبي : والخرطوم الأنف من الإنسان ، ومن السباع موضع الشفة ، وخراطيم القوم ساداتهم. قال الفراء : وإن كان الخرطوم قد خص بالسمة فإنه في معنى الوجه ، لأن بعض الشيء يعبر به عن الكل. وقال القرطبي : بين أمره تبيانا واضحا فلا يخفى عليهم كما لا تخفى السمة على الخراطيم ، وهذا كله نزل في الوليد بن المغيرة ، ولا شك أن المبالغة العظيمة في ذمّة بقيت على وجه الدهر ، ولا نعلم أن الله تعالى بلغ من ذكر عيوب أحد ما بلغ منه ، فألحق به عارا لا يفارقه في الدنيا ولا في الآخرة كالوسم على الخرطوم. وقيل : ما ابتلاه الله تعالى به في الدنيا في نفسه وأهله وماله من سوء وذل وصغار. وقال النضر بن شميل : المعنى : سنحده على شرب الخمر ، والخرطوم الخمر وجمعه خراطيم. قال : الرازي كالزمخشري وهذا تعسف ا ه. وقيل للخمر : الخرطوم كما قيل لها : السلافة وهي ما سلف من عصير العنب أو لأنها تطير في الخياشيم.
تنبيه : الأنف أكرم موضع في الوجه لتقديمه له ، ولذلك جعلوه مكان العز والحمية واشتقوا