راجع إلى اللحوق لا إلى الموت.
وقوله تعالى : (آمِنِينَ) حال من فاعل لتدخلن وكذا (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ) أي : كلها (وَمُقَصِّرِينَ) أي : بعضها أي منقسمين بحسب التحليق والتقصير إلى قسمين لا تخشون إلا الله تعالى وفيه إشارة إلى أنهم يتمون الحج من أوّله إلى آخره فقوله (لَتَدْخُلُنَ) فيه إشارة إلى الأوّل وقوله (مُحَلِّقِينَ وَمُقَصِّرِينَ) إشارة إلى الآخر فإن قيل محلقين حال الداخلين والداخل لا يكون إلا محرما والمحرم لا يكون محلقا أجيب بأنّ قوله آمنين معناه متمكنين من أن تتموا الحج محلقين ومقصرين وأشار بصيغة التفعيل إلى الكثرة فيهما غير أن التقديم يفهم أنّ الأول أكثر.
وقوله تعالى : (لا تَخافُونَ) أي لا يتجدّد لكم خوف بعد ذلك يجوز أن يكون مستأنفا وأن يكون حالا ثالثة إمّا من فاعل لتدخلنّ أو من ضمير آمنين أو محلقين أو مقصرين فإن كانت حالا من آمنين أو حالا من فاعل لتدخلنّ فهي حال للتوكيد وآمنين حال مقارنة وما بعدها حال مقدّرة إلا قوله لا تخافون إذا جعل حالا فإنها مقدّرة أيضا فإن قيل قوله تعالى لا تخافون معناه غير خائفين وذلك يحصل بقوله تعالى آمنين أجيب بأنّ فيه كمال الأمن لأنّ بعد الحلق يخرج الإنسان عن الإحرام فلا يحرم عليه القتال وكان عند أهل مكة يحرم قتال من أحرم ومن دخل الحرم. فقال تدخلون آمنين وتحلقون ويبقى أمنكم بعد خروجكم من الإحرام فعلم أي الله في الصلح من المصلحة ما لم تعلموا من المصالح فإنّ الصلاح كان في الصلح وإنّ دخولكم في سنتكم سبب لوطء المؤمنين والمؤمنات وهو قوله تعالى : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ) [الفتح : ٢٥] الآية.
فإن قيل : الفاء في قوله تعالى : (فَعَلِمَ) فاء التعقيب فقوله تعالى : (فَعَلِمَ) وقع عقب ماذا أجيب : بأنه إن كان المراد من (فَعَلِمَ) وقت الدخول فهو عقب صدق وإن كان المراد فعلم المصلحة فالمراد علم الوقوع والشهادة لا علم الغيب والتقدير لما حصلت المصلحة في العام القابل فعلم ما لم تعلموا من المصلحة المتجدّدة (فَجَعَلَ) أي : بسبب إحاطة علمه (مِنْ دُونِ) أي : أدنى رتبة من (ذلِكَ) أي : الدخول العظيم في هذا العام (فَتْحاً قَرِيباً) يقويكم به من فتح خيبر ووضع الحرب بين العرب بهذا الصلح واختلاط بعض الناس بسبب ذلك ببعض الموجب لإسلام ناس كثيرة تتقوون بهم فتكون تلك الكثرة والقوّة بسبب هيبة الكفار المانعة لهم من القتال فقتل القتلى ترفقا بأهل حرم الله إكراما لهذا النبيّ الكريم صلىاللهعليهوسلم.
وقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) أي : الذي لا رسول أحق منه بإضافته إليه (بِالْهُدى) أي : الكامل الذي يقتضي أن يهتدي به أكثر الناس تأكيد لبيان صدق الله تعالى للرّؤيا لأنه لما كان مرسلا لرسوله ليهدي لا يريه ما لا يكون فيحدث الناس فيظهر خلافه فيكون ذلك سببا للضلال.
فإن قيل : الرؤيا للواقع قد تقع لغير المرسل أجيب : بأنّ ذلك قليل لا يقع لكل أحد تنبيه : الهدى يحتمل أن يكون هو القرآن كقوله تعالى : (أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ) [البقرة : ١٨٥] وعلى هذا قوله تعالى : (وَدِينِ الْحَقِ) هو ما فيه من الأصول والفروع ويحتمل أن يكون الهدى هو المعجزة أي أرسله بالمعجزة فيكون قوله تعالى (وَدِينِ الْحَقِ) إشارة إلى ما شرع والألف واللام في الهدى يحتمل أن تكون للعهد وهو قوله تعالى : (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ) وأن تكون للتعريف أي كل ما هو هدى.