تنبيه : دين الحق يحتمل أن يكون المراد دين الله لأنّ الحق من أسماء الله تعالى ويحتمل أن يكون الحق نقيض الباطل فكأنه قال ودين الأمر الحق (لِيُظْهِرَهُ) أي : دينه (عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) أي : جميع باقي الأديان (وَكَفى بِاللهِ) أي : الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال (شَهِيداً) أي : على أنك مرسل بما ذكر.
كما قال تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) أي : الملك الذي لا كفؤ له فهو الرسول الذي لا رسول يساويه فإنه رسول إلى جميع الخلق من أدرك زمانه بالفعل في الدنيا ومن تقدّمه بالقوّة فيها وبالفعل في الآخرة يوم يكون الكل تحت لوائه وقد أخذ على الأنبياء كلهم الميثاق بأن يؤمنوا به إن أدركوه وأخذ ذلك الأنبياء على أممهم وأشار بذكر هذا الاسم بخصوصه في سورة الفتح إلى أنه صلىاللهعليهوسلم هو الخاتم بما أشارت إليه الميم التي مخرجها ختام المخارج واستنبط بعض العلماء من محمد ثلاثمائة وأربعة عشر رسولا فقال فيه ثلاث ميمات وإذا بسطت كل منهما قلت فيه م ي م وعدّتها بحساب الجمل الكبير تسعون فيحصل منها مائتان وسبعون وإذا بسطت الحاء والدال قلت دال بخمسة وثلاثين ، وحاء بتسعة فالجملة ما ذكر والاسم واحد فتم عدد الرسل كما قيل أنهم ثلاثمائة وخمسة عشر وقد تقدّم الكلام على أولي العزم منهم في سورة الأحقاف.
تنبيه : يجوز أن يكون محمد خبر مبتدأ مضمر لأنه لما تقدّم (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) دل على ذلك المقدّر أي هو أي الرسول بالهدى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) بدل أو بيان أو نعت وأن يكون محمد مبتدأ وخبره رسول الله وقيل غير ذلك.
ولما ذكر الرسول ذكر المرسل إليهم فقال تعالى (وَالَّذِينَ مَعَهُ) أي : بمعية الصحبة من الصحابة وحسن التبعية من التابعين لهم بإحسان (أَشِدَّاءُ) أي : غلاظ (عَلَى الْكُفَّارِ) منهم لا تأخذهم بهم رأفة بل هم معهم كالأسد على فريسته لأنّ الله تعالى أمرهم بالغلظة عليهم لا يرحمونهم (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) أي : متعاطفون متوادّون كالوالد مع الولد.
كما قال تعالى (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) [المائدة : ٥٤] وعن الحسن بلغ من تشددهم على الكفار أنهم كانوا يتحرّزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم ومن أبدانهم أن تمس أبدانهم وبلغ من تراحمهم فيما بينهم أنه كان لا يرى مؤمن مؤمنا إلا صافحه وعانقه ، ومن حق المسلمين في كل زمان أن يراعوا هذا التذلل وهذا التعطف فيشددوا على من ليس من دينهم ويتحاموه ويعاشروا إخوانهم المؤمنين في الإسلام متعطفين بالبر والصلة والمعونة وكف الأذى والاحتمال منهم.
تنبيه : والذين معه مبتدأ خبره أشدّاء على الكفار ورحماء بينهم خبر ثان وقيل غير ذلك. ثم بين تعالى الحامل لهم على ذلك بقوله سبحانه وتعالى (تَراهُمْ) أي : أيها الناظر لهم (رُكَّعاً سُجَّداً) أي : دائمين الخشوع فأكثر أوقاتهم صلاة قد غلبت صفة الملكية على صفاتهم الحيوانية فكانت الصلاة آمرة بالخير مصينة عن كل نقص وضير.
ثم أشار إلى إخلاصهم بقوله تعالى (يَبْتَغُونَ) أي : يطلبون بذلك وغيره من جميع أحوالهم بغاية جهدهم تغليبا لعقولهم على شهواتهم وحظوظهم (فَضْلاً) أي : زيادة من الخير (مِنَ اللهِ) أي : الذي له الإحاطة بصفات الكمال من الجلال والجمال الذي أعطاهم ملكة العظمة على الكفار بما وهبهم من جلاله والرأفة على أوليائه (وَرِضْواناً) أي : رضا منه عظيما بما نالهم من رحمته التي هيأهم بها للإحسان إلى عياله فنزعوا الهوى من صدورهم فصاروا يرونه وحده سيدهم المحسن