فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (٣٧) فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٥٢))
قال تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) أي : الذي أثبتت فيه أعماله (فَيَقُولُ) لما رأى من سعادته تبجحا بحاله وإظهارا لنعمة ربه ؛ لأن الإنسان مطبوع على أن يظهر ما آتاه الله تعالى من خير تكميلا للذته قيل : إنه تكتب سيئاته في باطن صحيفته وحسناته في ظاهرها فيقرأ الباطن ويقرأ الناس الظاهر ، فإذا أنهاه قيل له : قد غفرها الله تعالى اقلب الصحيفة ، فحينئذ يكون قوله : (هاؤُمُ اقْرَؤُا) أي : خذوا اقرؤوا (كِتابِيَهْ) يقول ذلك ثقة بالإسلام وسرورا بنجاته ؛ لأن اليمين عند العرب من دلائل الفرح قال الشاعر (١) :
إذا ما راية رفعت لمجد |
|
تلقاها عرابة باليمين |
قال ابن عباس رضي الله عنهما : أول من يعطى كتابه بيمينه من هذه الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وله شعاع كشعاع الشمس قيل : فأين أبو بكر؟ قال : هيهات زفته الملائكة إلى الجنة ، وقال ابن زيد : معنى هاؤم : تعالوا ، فيتعدى بإلى. وقال مقاتل : هلمّ ، وقال غيره : خذوا ، ومنه الحديث في الربا «إلا هاء وهاء» (٢) ، أي : يقول كل لصاحبه : خذ ، وهذا هو المشهور ، ولذلك فسرت به الآية الكريمة. وقيل : هي كلمة وضعت لإجابة الداعي عند الفرح والنشاط ، وفي الحديث «أنه صلىاللهعليهوسلم ناداه أعرابي بصوت عال فأجابه النبي صلىاللهعليهوسلم : هاؤم بصولة صوته» (٣). وقيل : معناها اقصروا ، وزعم هؤلاء أنها مركبة من ها التنبيه وأموا أمر من الأمّ وهو القصد فصيّره التخفيف والاستعمال إلى هاؤم ، وقيل : الميم ضمير جماعة الذكور ، وزعم العتبي أن الهمزة بدل من الكاف ، قال ابن عادل : فإن عنى أنها تحل محلها فصحيح ، وإن عنى البدل الصناعي فليس بصحيح.
تنبيه : كتابيه منصوب بهاؤم عند الكوفيين ، وعند البصريين باقرؤوا لأنه أقرب العاملين ، والأصل : كتابي فأدخل الهاء لتتبين صحة الياء والهاء في (كِتابِيَهْ) و (حِسابِيَهْ) و (سُلْطانِيَهْ) و (مالِيَهْ) للسكت وكان حقها أن تحذف وصلا وتثبت وقفا ، وإنما أجري الوصل مجرى الوقف أو وصل بنية الوقف في كتابيه وحسابيه اتفاقا ، فأثبت الهاء وكذا في (مالِيَهْ) [الحاقة : ٢٨] و (سُلْطانِيَهْ)
__________________
(١) البيت من الوافر ، وهو للشماخ في ديوانه ص ٣٣٦ ، ولسان العرب (عرب) ، (يمن) ، وتهذيب اللغة ٨ / ٢٢١ ، ١٥ / ٥٢٣ ، وجمهرة اللغة ص ٣١٩ ، ٩٩٤ ، وتاج العروس (عرب) ، ومقاييس اللغة ٦ / ١٥٨.
(٢) أخرجه البخاري في البيوع حديث ٢١٣٤ ، ومسلم في المساقاة حديث ١٥٨٦ ، وأبو داود في البيوع حديث ٣٣٤٨ ، والترمذي في البيوع حديث ١٢٤٣ ، والنسائي في البيوع حديث ٤٥٥٨ ، وابن ماجه في التجارات حديث ٢٢٥٣.
(٣) أخرجه الترمذي في الدعوات حديث ٣٥٣٥.