صحيح ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : حملة العرش ما بين أخمص أحدهم إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام ، ومن كعبه إلى ركبته خمسمائة ، ومن ترقوته إلى موضع القرط مسيرة خمسمائة عام ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : الذين يحملون العرش ما بين سوق أحدهم إلى مؤخر عينه خمسمائة عام. وفي الخبر أن فوق السماء السابعة ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء وفوق ظهورهن العرش ، وفي حديث مرفوع أن حملة العرش ثمانية أملاك على صورة الأوعال ما بين أظلافها إلى ركبها مسيرة سبعين عاما للطائر المسرع ، وروي أن أرجلهن في الأرض السابعة ، وإضافة العرش إلى الله تعالى كإضافة البيت إليه وليس البيت للسكنى فكذلك العرش ليس للجلوس تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، فإنه الخالق للعرش ولحملة العرش ولا تحيط به جهة وهو العلي العظيم.
وعن شهر بن حوشب قال حملة العرش ثمانية : أربعة منهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك ، وأربعة منهم يقولون : سبحانك اللهمّ وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك.
ولما بلغ تعالى النهاية في تحذير العباد من يوم التناد وكان لهم حالتان عامة وخاصة ، فالعامة العرض والخاصة التقسيم إلى محسن ومسيء زاده عظما بقوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ) أي : إذ كان جميع ما تقدم (تُعْرَضُونَ) على الله للحساب كما يعرض السلطان الجند لينظر في أمرهم ليختار منهم المصلح للتقريب والإكرام ، والمفسد للإبعاد والتعذيب ، عبر بالعرض عن الحساب الذي هو جزؤه ، والمحسن لا يكون له غير ذلك والمسيء يناقش.
(لا تَخْفى مِنْكُمْ) أي : في ذلك اليوم على أحد بوجه من الوجوه ، وقرأ حمزة والكسائي بالياء التحتية ؛ لأن التأنيث مجازي والباقون بالتاء وهو ظاهر ، (خافِيَةٌ) أي : من السرائر التي كان من حقها أن تخفى في دار الدنيا ، فإنه عالم بكل شيء من أعمالكم. ونظيرة قوله تعالى : (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) [غافر : ١٦]. قال الرازي : والعرض للمبالغة في التهديد يعني تعرضون على من لا تخفى عليه خافية ، قال القرطبي : هذا هو العرض على الله تعالى ودليله (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا) [الكهف : ٤٨] وليس ذلك عرضا ليعلم ما لم يكن عالما به ، بل ذلك العرض عبارة عن المحاسبة والمساءلة وتقرير الأعمال عليهم للمجازاة قال صلىاللهعليهوسلم : «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات ، فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله» (١).
(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً
__________________
١٥١٥٨ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ١٠ / ٢٦٤ ، وابن كثير في تفسيره ٨ / ٢٣٩ ، والسيوطي في الدر المنثور ٥ / ٣٤٦.
(١) أخرجه الترمذي في القيامة حديث ٢٤٢٥ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤٢٧٧.