الْأَرْضُ) [الزمر : ٦٨]. فكيف يقال لهم : إنهم يقفون على أرجاء السماء؟ أجيب : من وجهين : الأول : إنهم يقفون لحظة على أرجاء السماء ثم يموتون ، والثاني : المراد الذين استثنوا في قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) [الزمر : ٦٨]. وقيل : إن الناس إذا رأوا جهنم هالهم أمرها فيندّوا كما تندوا الإبل فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا رأوا الملائكة فيرجعوا من حيث جاؤوا. وقيل : على أرجائها ينتظرون ما يؤمرون به في أهل النار من السوق إليها. وفي أهل الجنة من التحية والكرامة ، وهذا كله يرجع إلى قول ابن جبير رضي الله عنه ويدل عليه قوله تعالى : (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) [الفرقان : ٢٥].
قال الزمخشري : فإن قلت ما الفرق بين قوله : (وَالْمَلَكُ) وبين أن يقال : والملائكة؟ قلت : الملك أعمّ من الملائكة ألا ترى أنّ قولك : ما من ملك إلا وهو شاهد أعمّ من قولك : ما من ملائكة ا. ه. قال أبو حيان : ولا يظهر أن الملك أعم من الملائكة لأن المفرد المحلى بالألف واللام قصاراه أن يكون مرادا به الجمع المحلى ولذلك صح الاستثناء منه ، ثم قال : ولأن قوله : (عَلى أَرْجائِها) يدل على الجمع ، لأن الواحد لا يمكن أن يكون على أرجائها في وقت واحد بل في أوقات ، والمراد والله أعلم أن الملائكة على أرجائها لا أنه ملك واحد ينتقل على أرجائها في أوقات.
ولما كان الملك يظهر في يوم العرض سرير ملكه ومحل عزه قال تعالى : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ) أي : المحسن إليك بكل ما تريد لا سيما في ذلك اليوم بما يقع من رفعتك على سائر الخلق ، والضمير في قوله تعالى : (فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ) أي : في يوم وقعت الواقعة يجوز أن يعود على الملك لأنه بمعنى الجمع كما تقدم ، وأن يعود على الحاملين في قوله تعالى : (ثَمانِيَةٌ ،) وقيل : يعود على جميع العالم ، أي : إن الملائكة تحمل عرش الله تعالى فوق العالم كله.
واختلف في هذه الثمانية فقال ابن عباس رضي الله عنهما : ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله تعالى ، وقال ابن زيد : هم ثمانية أملاك ، وعن الحسن رضي الله عنه : الله أعلم كم هم أثمانية أم ثمانية آلاف أم ثمانية صفوف ، وفي الحديث أنّه صلىاللهعليهوسلم قال : «إن حملة العرش اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أمدّهم الله تعالى بأربعة أخرى فكانوا ثمانية على صورة الأوعال» (١). وفي رواية : ثمانية أوعال من أظلافهم إلى ركبهم كما بين سماء إلى سماء ، وفي حديث آخر : «لكل ملك منهم وجه رجل ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر ، وكل وجه منها يسأل الله الرزق لذلك الجنس» (٢).
فإن قيل : إذا لم يكن فيهم صورة الوعل فكيف سموا أوعالا؟ أجيب : بأن وجه الثور إذا كانت له قرون أشبه الوعل. وعنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش : إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام» (٣). أخرجه أبو داود بإسناد
__________________
(١) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٨ / ٢٦٦.
(٢) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٣) أخرجه أبو داود في السنة حديث ٤٧٢٧ ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ٣ / ١٥٨ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١ / ٨٠ ، ٨ / ١٣٥ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٥١٥٤ ، ١٥١٥٥ ، ١٥١٥٧ ،