عام كذا ، وإنما كان مجيئك في وقت واحد من أوقاته ا. ه.
ولما ذكر التأثير في الأحياء أتبعه التأثير في الجمادات وبدأ منها بالسفليات لملابستها للإنسان فتكون عبرته بها أكثر ، فقال تعالى : (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) أي : التي بها ثباتها حملتهما الريح أو الملائكة أو القدرة من أماكنهما (فَدُكَّتا) أي : مسحت الجملتان الأرض وأوتادها وبسطت ودق بعضها ببعض (دَكَّةً واحِدَةً) أي : فصارتا كثيبا مهيلا بأيسر أمر ، فلم يميز شيء منهما عن الآخر بل صارتا في غاية الاستواء ، ومنه اندك سنام البعير إذا انفرش في ظهره ، وقال الفراء : لم يقل فدككن لأنه جعل الجبال كلها كالجملة الواحدة والأرض كالجملة الواحدة ، ومثله (أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) [الأنبياء : ٣٠] ولم يقل كن وهذا الدك كالزلزلة لقوله تعالى : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) [الزلزلة : ١].
وقوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ) منصوب بوقعت وقوله تعالى : (وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) لا بد فيه من تأويل ، وهو أن تكون الواقعة صارت علما بالغلبة على القيامة أو الواقعة العظيمة وإلا فقام القائم لا يجوز إذ لا فائدة فيه ، والتنوين في يومئذ للعوض من الجملة تقديره : يوم إذ نفخ في الصور ، ونوع تعالى أسماء القيامة بالحاقة والواقعة والقارعة تهويلا لها.
ولما ذكر تأثير العالم السفلي ذكر العلوي بقوله تعالى : (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ) أي : ذلك الجنس لشدة هول ذلك اليوم ، أي : انصدعت وتفطرت ، وقيل : انشقت لنزول الملائكة بدليل قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) [الفرقان : ٢٥]. (فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) أي : ضعيفة متساقطة خفيفة لا تتماسك كالعهن المنفوش بعدما كانت محكمة يقال : وهي البناء يهي وهيا فهو واه إذا ضعف جدا ويقال : كلام واه ، أي : ضعيف وقيل : واهية ، أي : متخرّقة مأخوذ من قولهم : وهى السقاء إذا تخرّق ومن أمثالهم (١) :
خل سبيل من وهى سقاؤه |
|
ومن هريق بالفلاة ماؤه |
أي : من كان ضعيف العقل لا يحفظ نفسه ، وقرأ أبو عمرو وقالون والكسائي بسكون الهاء والباقون بكسرها (وَالْمَلَكُ) أي : هذا النوع (عَلى أَرْجائِها) أي : نواحي السماء وأطرافها وحواشي ما لم ينشق منها قال الضحاك : يكونون بها حتى يأمرهم الله تعالى فينزلون فيحيطون بالأرض ومن عليها ، وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه : المعنى والملك على حافات الدنيا ، أي : ينزلون إلى الأرض ويحرسون أطرافها ، وقيل : إذا صارت السماء قطعا تقف الملائكة على تلك القطع التي ليست متشققة في أنفسها ، والأرجاء في اللغة : النواحي والأقطار بلغة هذيل واحدها رجا مقصور وتثنيته رجوان ، مثل عصا وعصوان قال القائل (٢) :
فلا ترمي بي الرجوان إني |
|
أقل القوم من يغني مكاني |
قال ابن عادل : ورجا هنا يكتب بالألف عكس رحى لأنه من ذوات الواو.
فإن قيل : الملائكة يموتون في الصعقة الأولى لقوله تعالى : (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي
__________________
(١) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (وهى) ، ومجمع الأمثال ١ / ٢٤٠.
(٢) البيت من الوافر ، وهو لعبد الرحمن بن الحكم في الاقتضاب في شرح أدب الكاتب ص ٣٦٦ ، وبلا نسبة في أدب الكاتب ص ٢٥٧ ، ولسان العرب (رجا).