وذهب فملأها على كتفه وأتى بها إليهنّ. والحكايات عنهم في هذا كثيرة.
(وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ) أي : يوقعون التصديق لمن يخبرهم ويجدّدونه كل وقت (بِيَوْمِ الدِّينِ) أي : الجزاء الذي ما مثله يوم وهو يوم القيامة الذي يقع الحساب فيه على النقير والقمطير والتصديق به حق التصديق الاستعداد له بالأعمال الصالحة ، فالذين يعملون لذلك اليوم هم العمال ، وأما المصدّقون بمجرّد الأقوال فلهم الوبال وإن أنفقوا أمثال الجبال.
(وَالَّذِينَ هُمْ) أي : بجميع ضمائرهم وظواهرهم (مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ) أي : المحسن إليهم لا من عذاب غيره فإن المحسن أولى بأن يخشى ولو من قطع إحسانه (مُشْفِقُونَ) أي : خائفون في هذه الدار خوفا عظيما هو في غاية الثبات من أن يعذبهم في الآخرة أو في الدنيا أو فيهما ، فهم لذلك لا يفعلون إلا ما يرضيه سبحانه.
(إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ) أي : الذي هم مغمورون بإحسانه وهم عارفون بأنه قادر على الانتقام ولو بقطع الإحسان (غَيْرُ مَأْمُونٍ) أي : لا ينبغي لأحد أن يأمنه بل يجوز أن يحل به وإن بالغ في الطاعة ؛ لأن الملك مالك وهو تام الملك ، له أن يفعل ما شاء ، ومن جوز وقوع العذاب أبعد عن موجباته غاية الإبعاد ولم يزل مترجحا بين الخوف والرجاء.
(وَالَّذِينَ هُمْ) أي : ببواطنهم الغالبة على ظواهرهم (لِفُرُوجِهِمْ) أي : سواء أكانوا ذكورا أم إناثا (حافِظُونَ) أي : حفظا ثابتا دائما عن كل ما نهى الله تعالى عنه (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ) أي : من الحرائر بعقد النكاح ، وقدمهنّ لشرفهنّ وشرف الولد بهنّ ، ثم أتبعه قوله تعالى : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) أي : من السراري التي هي محل الحرث والنسل واللاتي هن أقل عقلا من الرجال ، ولهذا عبر بما التي هي في الأغلب لغير العقلاء ، وفي ذلك إشارة إلى اتساع النطاق في احتمالهن.
(فَإِنَّهُمْ) أي : بسبب إقبالهم بالفروج عليهن وإزالة الحجاب من أجل ذلك (غَيْرُ مَلُومِينَ) أي : في الاستمتاع بهن من لائم ما ، كما نبه عليه البناء للمفعول ، فهم يصحبونهن للتعفف وصون النفس وابتغاء الولد للتعاون على طاعة الله تعالى ، واكتفى في مدحهم بنفي اللوم لإقباله عن تحصيل ما له من المرام.
(فَمَنِ ابْتَغى) أي : طلب وعبر بصيغة الافتعال لأن ذلك لا يقع إلا عن إقبال عظيم من النفس واجتهاد في الطلب. وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة ، وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين ، والباقون بالفتح. (وَراءَ ذلِكَ) أي : شيئا من هذا خارجا عن هذا الأمر الذي أحله الله تعالى له ، والذي هو أعلى المراتب في أمر النكاح وقضاء اللذة وأحسنها وأجملها (فَأُولئِكَ) أي : الذين هم في الحضيض من الدناءة وغاية البعد عن مواطن الرحمة (هُمُ) أي : بضمائرهم وظواهرهم (العادُونَ) أي : المختصون بالخروج عن الحدّ المأذون فيه. (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ) أي : من كل ما ائتمنهم الله تعالى عليه من حقه وحق غيره ، وقرأ ابن كثير بغير ألف بعد النون على التوحيد ، والباقون بالألف على الجمع (وَعَهْدِهِمْ) أي : ما كان من الأمانات بربط وتوثيق (راعُونَ) أي : حافظون لها معترفون بها على وجه نافع غير ضار.
(وَالَّذِينَ هُمْ) أي : بغاية ما يكون من توجه القلوب (بِشَهاداتِهِمْ) التي شهدوا بها أو يستشهدون بها بطلب أو غيره ، وتقديم المعمول إشارة إلى أنهم في فرط قيامهم بها ومراعاتهم لها كأنهم لا شاغل لهم سواها (قائِمُونَ) أي : يتحملونها ويؤدّونها على غاية التمام والحسن أداء من