عبد الله بن شداد : بعث وهو ابن ثلاثمائة وخمسين سنة.
ويجوز في قوله تعالى : (أَنْ أَنْذِرْ) أي : حذر تحذيرا عظيما (قَوْمَكَ) أي : الاستمرار على الكفر أن تكون أن مفسرة فلا يكون لها من الإعراب لأن في الإرسال معنى الأمر فلا حاجة إلى إضمار ، ويجوز أن تكون المصدرية أي : أرسلناه بالإنذار. قال الزمخشري : والمعنى أرسلناه بأن قلنا له أنذر قومك أي : أرسلناه بالأمر بالإنذار ا. ه. وهذا الذي قدره جواب عن سؤال وهو أنّ قولهم إنّ أن المصدرية يجوز أن توصل بالأمر مشكل ؛ لأنه ينسبك منها ومما بعدها مصدر وحينئذ فتفوت الدلالة على الأمر ألا ترى أنك إذا قدرت كتبت إليه بأن قم : كتبت إليه القيام تفوت الدلالة على الأمر حال التصريح بالمصدر فينبغي أن يقدر كما قاله الزمخشري أي : كتبت إليه بأن قلت له : قم ، أي : كتبت إليه بالأمر بالقيام.
وقال القرطبي : أي بأن أنذر قومك (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ) أي : على ما هم عليه من الأعمال الخبيثة (عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : عذاب الآخرة أو الطوفان (قالَ) أي : نوح عليهالسلام (يا قَوْمِ) فاستعطفهم بتذكيرهم أنه أحدهم يهمه ما يهمهم (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ) أي : مبالغ في إنذاركم (مُبِينٌ) أي : أمري بين في نفسه بحيث إنه صار في شدة وضوحه كأنه مظهر لما يتضمنه مناد بذلك للقريب والبعيد والفطن والغبي ، ويجوز في قوله تعالى : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) أي : الملك الأعظم الذي له جميع الكمال ، أن تكون أن تفسيرية لنذير ، وأن تكون مصدرية والكلام فيها كما تقدّم في أختها. وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة في الوصل بكسر النون والباقون بالضم ، والمعنى وحدوا الله (وَاتَّقُوهُ) أي : اجعلوا بينكم وبين غضبه وقاية تمنعكم من عذابه بالانتهاء عن كل ما يكرهه فلا تتحركوا حركة ولا تسكنوا سكنة إلا في طاعته ، وهذا هو العمل الواقي من كل سوء (وَأَطِيعُونِ) أي : لأعرفكم ما تقصر عنه عقولكم من صفات معبودكم ودينكم ودنياكم ومعادكم ، وأدلكم على اجتلاب آداب تهديكم واجتناب شبه ترديكم ، ففي طاعتي فلأحكم برضا الملك عنكم. وقوله : (يَغْفِرْ لَكُمْ) جواب الأمر ، وفي من في قوله : (مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أوجه أحدها : أنها تبعيضية ، الثاني : أنها لابتداء الغاية ، الثالث : أنها مزيدة. قال ابن عطية : وهو مذهب كوفي ، وردّ بأنّ مذهبهم ليس ذلك لأنهم يشترطون تنكير مجرورها ولا يشترطون غيره ، والأخفش لا يشترط شيئا ، فالقول بزيادتها هنا ماش على قوله لا على قولهم ، قاله القرطبيّ ، وقيل : لا يصح كونها زائدة لأنّ من لا تزاد في الموجب وإنما هي هنا للتبعيض وهو بعض الذنوب وهو ما لا يتعلق بحقوق المخلوقين.
(وَيُؤَخِّرْكُمْ) أي : بلا عذاب تأخيرا ينفعكم (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي : قد سماه الله تعالى وعلمه قبل إيجادكم فلا يزاد فيه ولا ينقص منه فيكون موتكم على العادة أو يأخذكم جميعا ، فالأمور كلها قد قدرت وفرغ من ضبطها لإحاطة العلم والقدرة فلا يزاد فيها ولا ينقص ليعلم أنّ الإرسال إنما هو مظهر لما قدره في الأزل ، ولا يظن أنه قالب للأعيان بتغيير ما سبق به القضاء من الطاعة والعصيان ، وقرأ : ويوخركم ولا يوخر ورش بإبدال الهمزة واوا وقفا ووصلا ، وحمزة في الوقف دون الوصل ، والباقون بالهمز.
(إِنَّ أَجَلَ اللهِ) أي : الذي له الكمال كله فلا رادّ لأمره (إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ) أي : إذا جاء الموت لا يؤخر بعذاب كان أو بغير عذاب ، وأضاف الأجل إليه سبحانه لأنه الذي أثبته ، وقد يضاف إلى القوم كقوله تعالى : (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) [يونس : ٤٩] لأنه مضروب لهم. (لَوْ كُنْتُمْ