الجبهة والأنف والركبتان واليدان والقدمان وهو قول سعيد بن المسيب ، وابن حبيب.
والمعنى : أنّ هذه الأعضاء أنعم الله تعالى بها عليك فلا تسجد لغيره فتجحد نعمة الله. قال عطاء : مساجدك أعضاؤك التي أمرت بالسجود عليها لا تذللها لغير خالقها ، قال صلىاللهعليهوسلم : «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم» (١) وذكر الحديث. وقال صلىاللهعليهوسلم : «إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب» (٢).
قال ابن الأثير : الآراب الأعضاء. وهذا القول اختاره ابن الأنباري. وقيل : بل جمع مسجد وهو مصدر بمعنى السجود ويكون الجمع لاختلاف الأنواع. وقال القرطبي : المراد بها البيوت التي تبنيها أهل الملل للعبادة قال سعيد بن جبير : قالت الجنّ : كيف لنا أن نأتي المساجد ونشهد معك الصلاة ونحن ناؤون عنك؟ فنزلت (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) أي : بنيت لذكر الله تعالى وطاعته. وقال ابن عباس : المساجد هنا مكة التي هي القبلة وسميت مكة مساجد لأنّ كل أحد يسجد إليها.
قال القرطبي : والقول بأنها البيوت المبنية للعبادة أظهر الأقوال إن شاء الله تعالى وهو مروي عن ابن عباس ، وإضافة المساجد إلى الله تعالى إضافة تشريف وتكريم وخص منها المسجد العتيق بالذكر فقال تعالى (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) [الحج : ٢٦] وهي وإن كانت لله ملكا وتشريفا قد تنسب إلى غيره تعريفا قال صلىاللهعليهوسلم : «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» (٣) وفي رواية : «إن صلاة فيه خير من مائة صلاة في مسجدي هذا» (٤). قال القرطبي : وهذا حديث صحيح. وفي حديث سابق صلىاللهعليهوسلم بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق (٥) ، ويقال مسجد فلان لأنه حبسه ولا خلاف بين الأمّة في تحبيس المساجد والقناطر والمقابر وإن اختلفوا في تحبيس غير ذلك.
(فَلا تَدْعُوا) أي : فلا تعبدوا أيها المخلوقون (مَعَ اللهِ) الذي له جميع العظمة (أَحَداً) وهذا توبيخ للمشركين في دعواهم مع الله تعالى غيره في المسجد الحرام ، وقال مجاهد : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله فأمر الله تعالى نبيه والمؤمنين أن يخلصوا لله الدعوة إذا دخلوا المساجد كلها يقول : فلا تشركوا فيها صنما أو غيره مما يعبد ، وقيل : المعنى أفردوا المساجد لذكر الله تعالى ولا تجعلوا لغير الله تعالى فيها نصيبا وفي الصحيح : «من نشد ضالة في المسجد فقولوا : لا ردّها الله عليك ، فإنّ المساجد لم تبن لهذا» (٦) وقال الحسن : من السنة إذا دخل رجل المسجد أن يقول لا إله إلا الله ؛ لأنّ قوله تعالى : (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً)
__________________
(١) أخرجه البخاري في الأذان حديث ٨١٢ ، ومسلم في الصلاة حديث ٤٩٠ ، والترمذي في الصلاة حديث ٢٧٣ ، والنسائي في التطبيق حديث ١٠٩٧ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ٨٨٣ ، والدارمي في الصلاة حديث ١٣١٩.
(٢) أخرجه أبو داود في الصلاة حديث ٨٩٠ ، والترمذي في الصلاة حديث ٢٧٢ ، والنسائي في التطبيق حديث ١٠٩٤ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ٨٨٥ ، وأحمد في المسند ١ / ٢٠٦ ، ٢٠٨.
(٣) أخرجه البخاري في الجمعة حديث ١١٩٠ ، ومسلم في الحج حديث ١٣٩٤ ، والترمذي في الصلاة حديث ٣٢٥ ، والنسائي في المناسك حديث ٢٨٩٨ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ١٤٠٤.
(٤) أخرجه أحمد في المسند ١ / ١٨٤ ، ٢ / ٢٥٦ ، ٢٧٧ ، ٤١٦ ، ٤٨٤.
(٥) أخرجه البخاري في الصلاة حديث ٤٢١.
(٦) أخرجه مسلم في المساجد حديث ٥٦٨ ، وابن ماجه في المساجد حديث ٧٦٧.