كثيرا في مصالحك وتسأله طويلا ، ووكيلك من الناس إذا حصل مالك سألك الأجرة وهو سبحانه يوفر مالك ويعطيك الأجر ، ووكيلك من الناس ينفق عليك من مالك وهو سبحانه يرزقك وينفق عليك من ماله. ومن تمسك بهذه الآية عاش حرّا كريما ومات خالصا شريفا ولقي الله تعالى عبدا صافيا مختارا تقيا ، ومن شرط الموحد أن يتوجه إلى الواحد ويقبل عليه ويبذل له نفسه ويفوّض إليه أمره ويترك التدبير ويثق به ويركن إليه ويتذلل لربوبيته ويتواضع لعظمته.
(وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (١٠) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (١١) إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً (١٢) وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (١٣) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً (١٤) إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً (١٦) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (١٧) السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (١٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (١٩) إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠))
(وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) أي : المخالفون المفهومون من الوكالة من الأذى والسب والاستهزاء ، ولا تجزع من قولهم ولا تمتنع من دعواهم وفوّض أمرهم إليّ ، فإني إذا كنت وكيلا لك أقوم بإصلاح أمرك أحسن من قيامك بأمور نفسك (وَاهْجُرْهُمْ) أي : أعرض عنهم (هَجْراً جَمِيلاً) أي : لا تتعرّض لهم ولا تشتغل بمكافأتهم ، فإنّ ذلك ترك للدعاء إلى الله تعالى ، وكان هذا قبل الأمر بالقتال ، فإنه صلىاللهعليهوسلم منع في أوّل الإسلام من قتال الكفار وأمر هو وأصحابه بالصبر على أذاهم بقوله تعالى : (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ) [آل عمران : ١٨٦] الآية ، ثم أمر به إذا ابتدؤوا بقوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) [البقرة : ١٩٠] ثم أبيح له ابتداؤه في غير الأشهر الحرم ، ثم أمر به مطلقا من غير تقييد بشرط ولا زمان بقوله تعالى : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) [البقرة : ١٩١].
(وَذَرْنِي) أي : اتركني (وَالْمُكَذِّبِينَ) أي : لا تحتاج إلى الظفر بمرادك ومشتهاك إلا أن تخلي بيني وبينهم بأن تكل أمرهم إليّ وتستكفينيه ، فإن فيّ ما يفرغ بالك ، ويجلي همك وليس ثمّ منع حتى تطلب إليه أن تذره وإياه إلا ترك الاستكفاء والتفويض ، كأنه إذا لم يكل إليه أمره فكأنه منعه منه فإذا وكله إليه فقد أزال المنع وتركه وإياه وفيه دليل على الوثوق بأنه يتمكن من الوفاء بأقصى ما تدور حوله أمنية المخاطب وبما يزيد عليه.
واختلف في سبب نزول هذه الآية فقال مقاتل : نزلت في المطعمين يوم بدر ، وهم عشرة فلم يكن إلا يسيرا حتى قتلوا ببدر. وقال يحيى بن سلام : إنهم بنو المغيرة. وقال سعيد بن جبير : أخبرت أنهم اثنا عشر رجلا ، وقال البغوي : نزلت في صناديد قريش ورؤساء مكة من المستهزئين.
وقوله تعالى : (أُولِي النَّعْمَةِ) نعت للمكذبين أي أصحاب التنعم والترفه.
فائدة : النعمة بالفتح التنعم وبالكسر الإنعام وبالضم المسرّة.