وأفضلهم قدرا (شاهِداً عَلَيْكُمْ) أي : بما تصنعون ليؤدّي الشهادة عند طلبها منه يوم ننزع من كل أمّة شهيدا وهو يوم القيامة (كَما أَرْسَلْنا) أي : بما لنا من العظمة (إِلى فِرْعَوْنَ) أي : ملك مصر (رَسُولاً) وهو موسى عليه الصلاة والسلام ، وهذا تهديد لأهل مكة بالأخذ الوبيل. قال مقاتل : وإنما ذكر موسى وفرعون دون سائر الرسل لأنّ أهل مكة ازدروا محمدا صلىاللهعليهوسلم واستخفوا به لأنه ولد فيهم ، كما أنّ فرعون ازدرى بموسى عليهالسلام لأنه رباه ونشأ فيما بينهم ، كما قال تعالى حكاية عن فرعون : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) [الشعراء : ١٨] وذكر الرازي السؤال والجواب. قال ابن عادل : وهو ليس بالقوي لأنّ إبراهيم عليهالسلام ولد ونشأ فيما بين قوم نمروذ وكان آزر وزير نمروذ على ما ذكره المفسرون ، وكذا القول في هود ونوح وصالح ولوط لقوله تعالى في قصة كل واحد منهم لفظة (أَخاهُمْ) لأنه من القبيلة التي بعث إليها انتهى. وقد يقال : الجامع بين محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام التربية ، فإنّ أبا طالب تربى عنده النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وموسى عليهالسلام تربى عند فرعون ولم يكن ذلك لغيرهما.
(فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) إنما عرفه لتقدم ذكره ، وهذه أل العهدية والعرب إذا قدمت اسما ثم أتوا به ثانيا أتوا به معرفا بأل أو أتوا بضميره لئلا يلتبس بغيره نحو : رأيت رجلا فأكرمت الرجل أو فأكرمته ، ولو قلت فأكرمت رجلا لتوهم أنه غير الأوّل. وقال المهدوي : ودخلت الألف واللام في الرسول لتقدّم ذكره ولذا اختير في أوّل الكتب سلام عليكم وفي آخرها السلام عليكم.
ثم تسبب عن عصيانه قوله تعالى : (فَأَخَذْناهُ) أي : فرعون بما لنا من العظمة ، وبين أنه أخذ قهر وغضب بقوله تعالى : (أَخْذاً وَبِيلاً) أي : ثقيلا شديدا ، وضرب وبيل وعذاب وبيل ، أي : شديد قاله ابن عباس ومجاهد ، ومنه مطر وابل ، أي : شديد قاله الأخفش. وقال الزجاج : أي : ثقيلا غليظا ومنه قيل للمطر وابل ، وقيل : مهلكا. والمعنى : عاقبناه عقوبة غليظة ، وفي ذلك تخويف لأهل مكة.
ثم خوّفهم بيوم القيامة فقال تعالى : (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ) أي : توجدون الوقاية التي تقي أنفسكم إذا كفرتم في الدنيا ، والمعنى : لا سبيل لكم إلى التقوى إذا رأيتم القيامة. وقيل : معناه : فكيف تتقون العذاب يوم القيامة إذا كفرتم في الدنيا. وقوله تعالى : (يَوْماً) مفعول تتقون أي : عذابه أي : بأي حصن تتحصنون من عذاب الله يوم (يَجْعَلُ الْوِلْدانَ) وقوله تعالى (شِيباً) جمع أشيب ، والأصل في الشين الضم وكسرت لمجانسة الياء ، ويقال في اليوم الشديد : يوم يشيب نواصي الأطفال ، وهو مجاز ، ويجوز أن يراد في الآية الحقيقة والمعنى : يصيرون شيوخا شمطا من هول ذلك اليوم وشدّته وذلك حين يقال لآدم عليهالسلام قم : فابعث بعث النار من ذريتك ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يقول الله عزوجل يوم القيامة : يا آدم فيقول : لبيك وسعديك ـ وفي رواية والخير بين يديك ـ فينادى بصوت إنّ الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار ، قال : يا رب وما بعث النار. قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) [الحج : ٢] فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم ، قالوا : يا رسول الله أينا ذلك الرجل؟ فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : أبشروا ، فإنّ من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم واحد ، ثم قال : أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض ، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود ، وفي رواية كالرقة في ذراع الحمار ـ