وقال الحسن والقرطبي : وخلقك فحسن. وقال سعيد بن جبير : وقلبك وبيتك فطهر. وقال مجاهد وابن زيد : وعملك فأصلح. وروى منصور عن أبي رزين قال : يقول : وعملك أصلح. قال : وإذا كان الرجل خبيث العمل قالوا : إنّ فلانا نجس الثياب. ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم : «يحشر المرء في ثوبيه اللذين مات عليهما يعني عمله الصالح والطالح» (١) ذكره الماوردي. وقيل : المراد بالثياب الأهل أي : طهرهم من الخطايا بالموعظة والتأديب والعرب تسمي الأهل ثوبا ولباسا وإزارا. قال تعالى : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) [البقرة : ١٨٧] وقيل : المراد به الدين أي : ودينك فطهر جاء في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال : «رأيت الناس وعليهم ثياب منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك ورأيت عمر بن الخطاب وعليه إزار يجرّه قالوا : يا رسول الله ، فما أولت ذلك؟ قال : الدين» (٢).
وقوله تعالى : (وَالرُّجْزَ) فسره النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالأوثان (فَاهْجُرْ) أي : دم على هجره. وقيل : الزاي فيه منقلبة من السين والعرب تعاقب بين السين والزاي لقرب مخرجيهما دليل هذا التأويل قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج : ٣٠] وروي عن ابن عباس أنّ معناه : اترك المآثم ، وقرأ حفص بضم الراء والباقون بكسرها ، وهما لغتان ومعناهما واحد ، وقال أبو العالية : الرجز بضم الراء الصنم وبالكسر النجاسة والمعصية ، وقال الضحاك : يعني الشرك. وقال الكلبي : يعني العذاب. قال البغويّ : ومجاز الآية اهجر ما أوجب لك العذاب من الأعمال.
وقوله تعالى : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) مرفوع منصوب المحل على الحال أي : لا تعط مستكثرا رائيا لما تعطيه كثيرا واجعله خالصا لله تعالى ولا تطلب عوضا أصلا ، ومعنى تستكثر أي : طالبا للكثرة كارها أن ينقص المال بسبب العطاء ، فيكون الاستكثار هنا عبارة عن طلب العوض كيف كان ليكون عطاؤه صلىاللهعليهوسلم خاليا عن انتظار العوض والتفات النفس إليه. وقيل : لا تعط شيئا طالبا للكثير نهى عن الاستقرار وهو أن يهب شيئا وهو يطمع أن يعوض من الموهوب له أكثر من الموهوب وهذا جائز ومنه الحديث : «المستكثر يثاب من هبته» (٣) وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون نهيا خاصا برسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو ظاهر الآية ؛ لأنّ الله تعالى اختار له أشرف الآداب وأحسن الأخلاق والثاني : أنه نهي تنزيه لا تحريم له ولأمّته. وقيل : إنه تعالى لما أمره بأربعة أشياء : إنذار القوم وتكبير الرب وتطهير الثياب وهجر الرجز.
ثم قال : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) أي : لا تمنن على ربك بهذه الأعمال الشاقة كالمستكثر لما تفعله (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) أي : على الأوامر والنواهي متقرّبا بذلك إليه غير ممتن به عليه. وقال الحسن : بحسناتك تستكثرها. وقال ابن عباس : ولا تعط عطية ملتمسا بها أفضل منها. وقيل : لا تمنن على الناس بما تعلمهم من أمر الدين والوحي مستكثرا بذلك الإنعام ، فإنك إنما فعلت ذلك بأمر الله تبارك وتعالى فلا منة لك به عليهم.
ولهذا قال تعالى : (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) وقيل : لا تمنن عليهم بنبوّتك لتستكثر أي : لا تأخذ منهم
__________________
(١) أخرجه القرطبي في تفسير ١٩ / ٦٣.
(٢) أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم حديث ٣٦٩١.
(٣) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.