أجرا على ذلك تستكثر به مالك ، وقال مجاهد والربيع : لا تعظم عملك في عينك أن تستكثر من الخير فإنه مما أنعم الله تعالى به عليك. وقال ابن كيسان : لا تستكثر عملك فتراه من نفسك إنما عملك منة من الله تعالى عليك إذ جعل لك الله تعالى سبيلا إلى عبادته. وقال زيد بن أسلم : إذا أعطيت عطية فأعطها لربك لا تقل : دعوت فلم يستجب لي. وقيل : لا تفعل الخير لترائي به الناس.
ولما ذكر تعالى ما يتعلق بإرشاد النبيّ صلىاللهعليهوسلم ذكر بعده وعيد الأشقياء بقوله تعالى : (فَإِذا نُقِرَ) أي : نفخ (فِي النَّاقُورِ) أي : في الصور وهو القرن النفخة الثانية فاعول من النقر أي : من التصويت وأصله القرع الذي هو سبب الصوت والفاء للسببية كأنه قال تعالى : اصبر على زمان صعب تلقى فيه عاقبة صبرك ، وأعداؤك عاقبة ضرهم.
وإذا ظرف لما دل عليه قوله تعالى : (فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ) لأنّ معناه : عسر الأمر على الكافرين وذلك إشارة إلى وقت النقر وهو مبتدأ خبره يوم عسير ويومئذ بدل أو ظرف لخبره إذ التقدير فذلك الوقت وقوع يوم عسير وقرأ على الكافرين وأصحاب النار أبو عمرو والدوري عن الكسائي بالإمالة محضة ، وقرأ ورش بين اللفظين والباقون بالفتح.
ولما كان العسر قد يطلق على الشيء وفيه يسر من بعض الجهات أو يعالج فيرجع يسيرا بين أنه ليس كذلك بقوله تعالى : (غَيْرُ يَسِيرٍ) فجمع فيه بين إثبات الشيء ونفي ضدّه تحقيقا لأمره ودفعا للمجاز عنه ، وتقييده بالكافرين يشعر بيسره على المؤمنين فإنهم لا يناقشون الحساب ويحشرون بيض الوجوه ثقال الموازين. قال الرازي : ويحتمل أنه عسير على المؤمنين والكافرين إلا أنه على الكافرين أشد.
تنبيه : قال الحليمي : سمي الصور باسمين فإن كان هو الذي ينفخ فيه النفختان فإنّ نفخة الإصعاق بخلاف نفخة الإحياء.
وجاء في الأخبار أنّ في الصور ثقبا بعدد الأرواح كلها وأنها تجمع في تلك الثقب في النفخة الثانية فتخرج عند النفخ من كل ثقبة روح إلى الجسد الذي نزعت منه فيعود الجسد حيا بإذن الله تعالى.
(ذَرْنِي) أي : اتركني على أي حالة اتفقت (وَمَنْ خَلَقْتُ) معطوف على المفعول أو مفعول معه. وقوله تعالى : (وَحِيداً) فيه أوجه : أحدها : أنه حال من الياء في ذرني أي : ذرني وحدي معه فأنا أكفيك في الانتقام منه ، الثاني : أنه حال من التاء في خلقت أي : خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد فأنا أهلكه ، الثالث : أنه حال من عائد المحذوف أي : خلقته وحيدا ، فوحيدا على هذا حال من ضمير المفعول المحذوف أي : خلقته في بطن أمّه وحيدا لا مال له ولا ولد ، ثم أعطيته بعد ذلك ما أعطيته ، قاله مجاهد. الرابع : أن ينتصب على الذم لأنه يقال : إنّ وحيدا كان لقبا للوليد بن المغيرة المخزومي ومعنى وحيدا : ذليلا قيل : إنه كان يزعم أنه وحيد في فضله وماله وليس في ذلك ما يقتضي صدق مقالته لأنّ هذا اللقب له شهرة به ، وقد يلقب الإنسان بما لا يتصف به وإذا كان لقبا تعين نصبه على الذم. قال ابن عباس : كان الوليد يقول : أنا الوحيد ابن الوحيد ليس لي في العرب نظير ولا لأبي المغيرة نظير.
قال الرازي : وردّ هذا القول بعضهم بأنه تعالى لا يصدقه في دعواه تلك بأنه وحيد لا نظير له