قال امرؤ القيس (١) :
لا وأبيك ابنة العامريّ |
|
لا يدّعي القوم أني أفر |
وفائدتها : توكيد القسم ، ثم قال الزمخشري بعد أن ذكر وجه الزيادة والاعتراض : والجواب كما تقدّم والوجه أن يقال : هي للنفي ، والمعنى في ذلك : أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاما له يدل عليه قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) [الجمعة : ٧٥ ـ ٧٦] فكأنه بإدخال حرف النفي يقول : إن إعظامي له بإقسامي به كلا إعظام ، يعني أنه يستأهل فوق ذلك. قال بعضهم : قول الزمخشري : والوجه أن يقال إلى آخره تقرير لقوله : إدخال لا النافية فيه على فعل القسم مستفيض إلى آخره. وحاصل كلامه يرجع إلى أنها نافية وأنّ النفي متسلط على فعل القسم بالمعنى الذي شرحه ، وليس فيه نفع لفظا ولا معنى ، وقرأ ابن كثير بخلاف عن البزي بغير ألف بعد اللام والهمزة مضمومة والباقون بالألف ويعبر عن قراءة ابن كثير بالقصر وعن قراءة الباقين بالمدّ.
ولا خلاف في قوله تعالى : (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) في المدّ والكلام في لا المتقدّمة وجرى الجلال المحلي على أنها زائدة في الموضعين. واختلف في النفس اللوامّة فقيل : هي نفس المؤمن الذي لا تراه يلوم إلا نفسه تقول : ما أردت بكذا ولا تراه يعاتب إلا نفسه. وقال الحسن رضي الله عنه : هي والله نفس المؤمن ما ترى المؤمن إلا يلوم نفسه ما أردت بكلامي ما أردت بأكلي ما أردت بحديثي ، والفاجر لا يحاسب نفسه. وقال مجاهد رضي الله عنه : هي التي تلوم على ما فات ، فتلوم نفسها على الشرّ لم فعلته ، وعلى الخير لم لا تستكثر منه ، وقيل : تلوم نفسها بما تلوم عليه غيرها. وقيل : المراد آدم عليهالسلام لم يزل لائما نفسه على معصيته التي أخرج بها من الجنة. وقيل : هي الملومة فتكون صفة ذمّ وهو قول من نفى أن تكون قسما ، وعلى الأوّل صفة مدح فيكون القسم بها سائغا. وقال مقاتل رضي الله عنه : هي نفس الكافر يلوم نفسه تحسرا في الآخرة على ما فرّط في جنب الله تعالى.
وجواب القسم محذوف أي : لتبعثنّ دل عليه قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ) أي : هذا النوع الذي جبل على الأنس بنفسه والنظر في عطفيه وأسند الفعل إلى النوع كله ؛ لأنّ أكثرهم كذلك لغلبة الحظوظ على العقل إلا من عصم الله تعالى ، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين والباقون بكسرها (أَلَّنْ) أي : أنا لا (نَجْمَعَ) أي : على ما لنا من العظمة (عِظامَهُ) أي : التي هي قالب بدنه فنعيدها كما كانت بعد تمزقها وتفتتها للبعث والحساب.
وقيل : نزلت في عدي بن ربيعة حليف بني زهرة خال الأخنس بن شريق الثقفي وذلك أن عديا أتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : يا محمد حدّثني عن القيامة متى تقوم؟ وكيف أمرها وحالها؟ فأخبره النبيّ صلىاللهعليهوسلم بذلك فقال : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أؤمن بك ، أو يجمع الله العظام بعد تفرّقها ورجوعها رميما ورفاتا مختلطا بالتراب وبعد ما نسفتها الرياح وطيرتها في أباعد الأرض ولهذا كان
__________________
(١) البيت من المتقارب ، وهو في ديوان امرئ القيس ص ١٥٤ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٧٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٣٥ ، والشعر والشعراء ١ / ١٢٨ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ٢٤٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ٩٦.