(وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) [الواقعة : ٥ ـ ٦] الحالة الرابعة : أن تنسف لأنها مع الأحوال المتقدّمة قارة في مواضعها فترسل عليها الرياح فتنسفها عن وجه الأرض ، فتطيرها في الهواء وهو قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) [طه : ١٠٥] الحالة الخامسة : أن تصير سرابا أي : لا شيء كما يرى السراب من بعد. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ بإدغام تاء التأنيث في السين والباقون بالإظهار.
(إِنَّ جَهَنَّمَ) أي : النار التي تلقى أصحابها متجهمة لهم بغاية ما يكرهون (كانَتْ مِرْصاداً) أي : ترصد الكفار أو موضع رصد يرصد فيه خزنة النار الكفار أو خزنة الجنة المؤمنين ليحرسوهم من فيحها في مرورهم عليها ، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّ على جسر جهنم سبع محابس يسأل العبد عند أوّلها عن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإن جاء بها تامّة جاز إلى الثاني فيسأل عن الصلاة ، فإن جاء بها تامّة جاز إلى الثالث فيسأل عن الزكاة فإن جاء بها تامة جاز إلى الرابع فيسأل عن الصوم ، فإن جاء به تاما جاز إلى الخامس فيسأل عن الحج فإن جاء به تاما جاز إلى السادس فيسأل عن العمرة ، فإن جاء بها تامة جاز إلى السابع فيسأل عن المظالم ، فإن خرج منها وإلا فيقال : انظروا إن كان له تطوّع أكملوا أعماله ، فإذا فرغ انطلق به إلى الجنة.
وأما الكافر فهو مستمرّ فيها كما قال تعالى : (لِلطَّاغِينَ) أي : الكافرين (مَآباً) أي : مرجعا يرجعون إليه.
وقرأ حمزة (لابِثِينَ فِيها) بغير ألف بين اللام والباء الموحدة والباقون بألف وهما لغتان والأولى أبلغ قاله البيضاوي.
وقوله تعالى : (أَحْقاباً) جمع حقب والحقب الواحد ثمانون سنة ، كل سنة اثنا عشر شهرا كل شهر ثلاثون يوما كل يوم ألف سنة ، روي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقال مجاهد : الأحقاب ثلاثة وأربعون حقبا. وقال الحسن : إنّ الله تعالى لم يجعل لأهل النار مدّة بل قال : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) فو الله ما هو إلا أنه إذا مضى حقب دخل آخر إلى الأبد ، فليس للأحقاب عدّة إلا الخلود ، روي عن عبد الله أنه قال : لو علم أهل النار أنهم يلبثون في النار عدد حصى الدنيا لفرحوا ولو علم أهل الجنة أنهم يلبثون في الجنة عدد حصى الدنيا لحزنوا. وقال مقاتل بن حبان : الحقب الواحد سبعة عشر ألف سنة. قال : وهذه الآية منسوخة نسختها (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) [النبأ : ٣٠] يعني : أنّ العدد قد ارتفع والخلود قد دخل وعلى تقدير عدم النسخ فهو من قبيل المفهوم فلا يعارض المنطوق الدال على خلود الكفار ، ويجوز أن يراد (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً.)
(لا يَذُوقُونَ) أي : غير ذائقين (فِيها) أي : النار (بَرْداً وَلا شَراباً إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً) ثم يبدّلون بعد الأحقاب غير الحميم والغساق من جنس آخر من العذاب ، ويجوز أن يكون جمع حقب من حقب عامنا إذا قل مطره وخيره ، وحقب فلان إذا أخطأ الرزق فهو حقب وجمعه أحقاب فيتنصب حالا عنهم يعني : لابثين فيها حقبين جهدين ، وقوله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً) تفسير له والاستثناء منقطع يعني : لا يذوقون فيها بردا. قال عطاء والحسن : أي : راحة وروحا ، أي : ينفس عنهم حرّ النار ولا شرابا يسكن من عطشهم ولكن يذوقون فيها حميما أي : ماء حارّا غاية الحرارة وغساقا وهو ما يسيل من صديد أهل النار فإنهم يذوقونه وروي عن ابن عباس