وفي الحديث : «كأنما نشط من عقال» (١). وعن ابن عباس رضي الله عنهما : «هي أنفس المؤمنين تنشط للخروج عند الموت لما ترى من الكرامة ؛ لأنّ الجنة تعرض عليهم قبل الموت». وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : «هي الملائكة تنشط أرواح الكفار مما بين الجلد والأظفار حتى تخرجها من أفواههم بالكد والغم» والنشط الجذب والنزع ، يقال : نشط الدّلو نشطا انتزعها. وقال السدّي رضي الله عنه : هي النفس تنشط من بين القدمين ، أي : تجذب ، وقال قتادة رضي الله عنه : هي النجوم تنشط من أفق إلى أفق ، أي : تذهب. يقال : نشط من بلد إلى بلد إذا خرج في سرعة ، ويقال حمار ناشط ينشط من بلد إلى بلد. وقال الجوهري : يعني النجوم تنشط من برج إلى برج ، كالثور الناشط من بلد إلى بلد.
(وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً) أي : الملائكة تسبح من السماء بأمره أي : ينزلون من السماء مسرعين كالفرس الجواد. يقال له : سابح إذا أسرع في جريه ، وقال عليّ رضي الله عنه : هي الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين. قال الكلبي : كالذي يسبح في الماء ، فأحيانا ينغمس وأحيانا يرتفع يسلونها سلا رفيقا بسهولة ، ثم يدعونها حتى تستريح. وعن مجاهد رضي الله عنه : السابحات الموت يسبح في نفوس بني آدم. وقال قتادة والحسن رضي الله عنهم : هي النجوم تسبح في أفلاكها ، وكذا الشمس والقمر ، قال تعالى : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [الأنبياء : ٣٣]. وقال عطاء : هي السفن في الماء. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : أرواح المؤمنين تسبح شوقا إلى لقاء الله تعالى ورحمته حتى تخرج ، وقيل : هي خيل الغزاة ، قال عنترة (٢) :
والخيل تعلم حين تس |
|
بح في حياض الموت سبحا |
(فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) أي : الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة ، وقال مجاهد رضي الله عنه : هي الملائكة سبقت ابن آدم بالخير والعمل الصالح. وقال ابن مسعود رضي الله عنه : هي أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة الذين يقبضونها شوقا إلى لقاء الله تعالى وكرامته ، وقد عاينت السرور. وقال قتادة رضي الله عنه : هي النجوم يسبق بعضها بعضا في السير. وقال عطاء : هي الخيل التي تسبق في الجهاد ، وقيل : هي ما يسبق من الأرواح قبل الأجساد إلى جنة أو نار. قال الجرجاني : ذكر السابقات بالفاء لأنها مسببة عن الذي قبلها ، أي : واللاتي يسبحن فيسبقن.
قال الواحدي : وهذا غير مطرد في قوله تعالى : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) أي : الملائكة تدبر أمر الدنيا ، أي : تنزل بتدبيره. قال الرازي : ويمكن الجواب بأنها لما أمرت سبحت فسبقت فدبرت ما أمرت بتدبيره ، فتكون هذه أفعالا يتصل بعضها ببعض ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : المدبرات هي الملائكة وكلوا بأمور عرّفهم الله تعالى العمل بها.
__________________
(١) انظر البخاري في الإجارة باب ١٦ ، والطب باب ٣٩ ، وأبو داود في البيوع باب ٣٧ ، والطب باب ١٩ ، وأحمد في المسند ٤ / ٣٦٧ ، ٥ / ٢١١.
(٢) يروى البيت بلفظ :
والخيل تعلم حين تض |
|
بح في حياض الموت ضبحا |
واليبت من مجزوء الكامل ، وهو لعنترة في ملحق ديوانه ص ٣٣٣ ، ولسان العرب (ضبح) ، وتاج العروس (ضبح).