أبو العالية عن أبيّ بن كعب قال : ست آيات قبل يوم القيامة بينما الناس في أسواقهم ؛ إذ ذهب ضوء الشمس ، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم ، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على الأرض فتحرّكت واضطربت وفزعت الجنّ إلى الإنس والإنس إلى الجنّ ، واختلطت الدواب والطير والوحش ، وماج بعضهم في بعض فذلك قوله تعالى : (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) أي : اختلطت (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) قال الجنّ للإنس : نحن نأتيكم بالخبر ، فانطلقوا إلى البحر ، فإذا هو نار تتأجج. قال : فبينما هم كذلك إذ تصدّعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى ، وإلى السماء السابعة العليا ، فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم. وعن ابن عباس قال : هي اثنتا عشرة خصلة ستة في الدنيا وستة في الآخرة ، وهي ما ذكر من بعد.
(وَإِذَا النُّفُوسُ) أي : من كل ذي نفس من الناس وغيرهم (زُوِّجَتْ) أي : قرنت بأجسادها ، وروي أنّ عمر سئل عن هذه الآية ، فقال : يقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح في الجنة ، ويقرن بين الرجل السوء مع الرجل السوء في النار. وقال الحسن وقتادة : ألحق كل امرىء بشيعته ، اليهود باليهود والنصارى بالنصارى. وقال عطاء : زوّجت نفوس المؤمنين بالحور العين ، وقرنت نفوس الشياطين بالكافرين.
(وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ) أي : الجارية المدفونة حية. كان الرجل في الجاهلية إذ ولد له بنت ، فأراد أن يستحييها ألبسها جبة من صوف أو شعر ترعى له الإبل والغنم في البادية ، وإن أراد قتلها تركها حتى إذا كانت سداسية فيقول لأمّها : طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها ، وقد حفر لها بئرا في الصحراء فيذهب بها إلى البئر ، فيقول لها : انظري فيها ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى تستوي بالأرض.
وقال ابن عباس : كانت الحامل إذا قربت ولادتها حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة ، فإذا ولدت بنتا رمت بها في الحفرة ، وإذا ولدت ولدا حبسته. وكانوا يفعلون ذلك لخوف لحوق العار بهم من أجلهنّ ، أو الخوف من الإملاق ، كما قال تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) [الأنعام : ١٥١] وكانوا يقولون : إنّ الملائكة بنات الله فألحقوا البنات به فهو أحق بهنّ ، وكان صعصعة بن ناجية ممن منع الوأد وفيه افتخر الفرزدق في قوله (١) :
ومنا الذي منع الوائدات |
|
وأحيا الوئيد فلم توأد |
(سُئِلَتْ بِأَيِ) أي : بسبب أيّ (ذَنْبٍ) يا أيها الجاهلون (قُتِلَتْ) أي : استحقت به عندكم القتل ، وهي لم تباشر سوءا لكونها لم تصل إلى حدّ التكليف.
فإن قيل : ما معنى سؤالها عن ذنبها الذي قتلت به ، وهلا سئل الوائد عن موجب قتله لها؟ أجيب : بأن سؤالها وجوابها تبكيت لقاتلها نحو التبكيت في قوله تعالى لعيسى عليهالسلام : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ) [المائدة : ١١٦]. وروي أنّ قيس بن عاصم «جاء إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، إني وأدت ثمان بنات كنّ لي في الجاهلية. فقال صلىاللهعليهوسلم : أعتق عن كل واحدة منهنّ رقبة. قال : يا رسول الله ، إني صاحب إبل؟
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو في ديوان الفرزدق ١ / ١٥٤.