فقال له صلىاللهعليهوسلم : أهد عن كل واحدة منهنّ بدنة إن شئت» (١). وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ المرأة التي تقتل ولدها تأتي يوم القيامة متعلقا ولدها بيدها ملطخا بدمائه فيقول : يا رب هذه أمّي وهذه قتلتني»(٢).
(وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) أي : فتحت بعد أن كانت مطوية ، والمراد صحف الأعمال التي كتبت الملائكة فيها أعمال العباد من خير وشر تطوى بالموت ، وتنشر في القيامة ، فيقف كل إنسان على صحيفته فيعلم ما فيها فيقول : (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) [الكهف : ٤٩]. وروي عن عمر أنه كان إذا قرأها قال : إليك يساق الأمر يا ابن آدم. وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «يحشر الناس حفاة عراة» فقالت أمّ سلمة : كيف بالنساء؟ فقال : «شغل الناس يا أمّ سلمة». قالت : وما يشغلهم ، قال : «نشر الصحف فيها مثاقيل الذر ، ومثاقيل الخردل» (٣). وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بتخفيف الشين والباقون بتشديدها على تكرير النشر للمبالغة في تقريع العاصي وتبشير المطيع وقيل لتكرير ذلك من الإنسان.
(وَإِذَا السَّماءُ) أي : هذا الجنس كله أفرده لأنه يعلم بالقدرة على بعضه القدرة على الباقي. (كُشِطَتْ) أي : نزعت عن أماكنها كما ينزع الجلد عن الشاة والغطاء عن الشيء. قال القرطبي : يقال : كشطت البعير كشطا نزعت جلده ولا يقال سلخت لأنّ العرب لا تقول في البعير إلا كشطته أو جلدته ، والمعنى : أزيلت عما فوقها. وقال القرطبي : طويت.
(وَإِذَا الْجَحِيمُ) أي : النار الشديدة التأجج (سُعِّرَتْ) أي : أججت فأضرمت للكفار وزيد في إحمائها يقال سعرت النّاء وأسعرتها. روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «أوقد على النار ألف سنة حتى احمرّت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودّت فهي سوداء مظلمة» (٤) واحتج بهذه الآية من قال : النار مخلوقة الآن لأنه يدل على أنّ سعيرها معلق بيوم القيامة. وقرأ نافع وابن ذكوان وعاصم بتشديد العين والباقون بتخفيفها.
(وَإِذَا الْجَنَّةُ) أي : البستان ذو الأشجار الملتفة والرياض المعجبة (أُزْلِفَتْ) أي : قرّبت لأهلها ليدخلوها. قال الحسن : إنهم يقربون منها لا أنها تزول عن موضعها. وقال عبد الله بن زيد : زينت والزلفى في كلام العرب القربة.
وقوله تعالى : (عَلِمَتْ نَفْسٌ) جواب إذا أوّل السورة وما عطف عليها ، أي : علمت كل نفس من النفوس وقت هذه المذكورات وهو يوم القيامة ، فالتنكير فيه مثله في تمرة خير من جرادة ، ودلالة هذا السياق للهول على ذلك يوجب اليقين فيه (ما) أي : كل شيء (أَحْضَرَتْ) من خير وشر.
روي عن ابن عباس وعمر أنهما قرأا فلما بلغا (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) قالا : لهذا
__________________
(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٨ / ١١٦ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٧ / ١٣٤ ، والقرطبي في تفسيره ١٩ / ٢٣٣.
(٢) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٩ / ٢٣٤.
(٣) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٩ / ٢٣٤.
(٤) أخرجه الترمذي في صفة جهنم حديث ٢٥٩١ ، وابن ماجه حديث ٤٣٢٠ ، والمنذري في الترغيب والترهيب ٤ / ٤٦٤ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٩٤٨٣.