الجنان : افتح له ففتح فدخلها فرأى ما فيها». (أَمِينٍ) أي : بليغ الأمانة على الوحي الذي يجيء به. وقيل : الرسول هو محمد صلىاللهعليهوسلم ، فالمعنى حينئذ : ذي قوة على تبليغ الوحي (مُطاعٍ) أي : يطيعه من أطاع الله تعالى.
(وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤) وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (٢٥) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٩))
(وَما صاحِبُكُمْ) أي : الذي طالت صحبته لكم ، وأنتم تعلمون أنه في غاية الكمال حتى أنه ليس له وصف عندكم إلا الأمين ، وهو محمد صلىاللهعليهوسلم وهذا عطف على أنه إلى آخر المقسم عليه.
وأغرق في النفي فقال تعالى : (بِمَجْنُونٍ) أي : كما زعمتم يتهم في قوله : (بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) [الصافات : ٣٧] فما القرآن الذي يتلوه عليكم قول مجنون ، ولا قول متوسط في العقل بل قول أعقل العقلاء وأكمل الكمل.
تنبيه : استدلّ بذلك بعضهم على فضل جبريل عليهالسلام على محمد صلىاللهعليهوسلم ، حيث عدّ فضائل جبريل عليهالسلام واقتصر على نفي الجنون عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وهو كما قال البيضاوي : ضعيف ؛ إذ المقصود منه نفي قولهم إنما يعلمه بشر ، وقولهم افترى على الله كذبا ، وقولهم أم به جنة لا تعديد فضله والموازنة بينهما.
(وَلَقَدْ رَآهُ) أي : رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم جبريل عليهالسلام على صورته التي خلق عليها ، وله ستمائة جناح. (بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) أي : البين ، وهو الأفق الأعلى الذي عند سدرة المنتهى حيث لا يكون لبس أصلا ، ولا يكون للشيطان على ذلك المكان سبيل فعرفه حق المعرفة. وقال مجاهد وقتادة : بالأفق الأعلى من ناحية المشرق.
وعن ابن عباس «أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال لجبريل عليهالسلام : «إني أحب أن أراك على صورتك التي تكون فيها في السماء» قال : لن تقوى على ذلك ، قال : «بلى». قال : فأين تشاء أن أتخيل لك ، قال : «بالأبطح». قال : لا يسعني ، قال : «فبمنى». قال : لا تسعني. قال : «فبعرفات». قال ذلك بالحري أن يسعني ، فواعده فخرج النبيّ صلىاللهعليهوسلم للوقت ، فإذا هو بجبريل قد أقبل من جبل عرفات بخشخشة وكلكلة قد ملأ ما بين المشرق والمغرب ، ورأسه في السماء ورجلاه في الأرض ، فلما رآه النبيّ صلىاللهعليهوسلم خرّ مغشيا عليه ، قال : فتحوّل جبريل عن صورته فضمه إلى صدره ، وقال : يا محمد لا تخف فكيف لو رأيت إسرافيل ، ورأسه تحت العرش ورجلاه في التخوم السابعة ، وإنّ العرش لعلى كاهله ، وإنه ليتضاءل أحيانا من مخافة الله تعالى حتى يصير مثل الوصع ـ يعني : العصفور ـ حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته. وقيل : إنّ محمدا صلىاللهعليهوسلم رأى ربه عزوجل بالأفق المبين ، وهو قول ابن مسعود وقد مرّ ذلك في سورة النجم.
(وَما) أي : وسمعه ورآه والحال أنه ما (هُوَ) أي : محمد صلىاللهعليهوسلم (عَلَى الْغَيْبِ) أي : ما غاب من الوحي وخبر السماء ، ورؤية جبريل وغير ذلك مما أخبر به. وقرأ (بِضَنِينٍ) ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالظاء المشالة من الظنة ، وهي التهمة ، أي : فليس بمتهم ، والباقون بالضاد موافقة للمرسوم من الضن وهو البخل ، أي : فليس ببخيل بالوحي فيزوي بعضه ، أو يسأل تعليمه فلا يعلمه