والخردلة. وقيل : الظنّ بمعنى اليقين.
وقوله تعالى : (يَوْمَ) يجوز نصبه بمبعوثون ، أو بإضمار أعني ، أو بدل من محل يوم فناصبه يبعثون (يَقُومُ النَّاسُ) أي : من قبورهم (لِرَبِّ الْعالَمِينَ) أي : الخلائق لأجل أمره وجزائه وحسابه. وعن ابن عمر أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «يوم يقول الناس لرب العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه» (١). وعن المقداد قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد. حتى تكون قيد ميل أو اثنين ـ قال سليم : لا أدري أي الميلين يعني : مسافة الأرض أو الميل الذي تكتحل به العين ـ قال : فتصهرهم الشمس فيكونون في العرق بقدر أعمالهم فمنهم من يأخذه إلى عقبيه ، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه ، ومنهم من يأخذه على حقويه ، ومنهم من يلجمه إلجاما ، فرأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يشير بيده إلى فيه يقول : ألجمه إلجاما» (٢). وعن قتادة : أوف يا ابن آدم كما تحب أن يوفى لك ، واعدل كما تحب أن يعدل لك. وعن الفضيل : بخس الميزان سواد الوجوه يوم القيامة. وعن عبد الملك بن مروان أنّ أعرابيا قال له : سمعت ما قال الله في المطففين أراد بذلك أنّ المطفف قد توجه عليه الوعيد العظيم الذي سمعت به فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل ولا وزن ، وفي هذا الإنكار والتعجيب وكلمة الظنّ ووصف اليوم بالعظم وقيام الناس فيه لله تعالى خاضعين ، ووصفه ذاته برب العالمين بيان بليغ لعظم الذنب ، وتفاقم الإثم في التطفيف وفيما كان في مثل حاله من الحيف ، وترك القيام بالقسط والعمل على السوية ، والعدل في كل أخذ وإعطاء بل في كل قول وعمل.
وعن ابن عمر أنه قرأ هذه السورة فلما بلغ قوله تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) بكى نحيبا وامتنع من قراءة ما بعده. وعن بعض المفسرين أنّ لفظ التطفيف يتناول التطفيف في الوزن والكيل وفي إظهار العيب وإخفائه وفي طلب الإنصاف والانتصاف ، ويقال : من لم يرض لأخيه المسلم ما يرضاه لنفسه فليس بمنصف ، والمعاشرة والصحبة في هذه المادّة ، والذي يرى عيب الناس ولا يرى عيب نفسه من هذه الجملة ، ومن طلب حق نفسه من الناس ولا يعطيهم حقوقهم كما يطلبه.
وقوله تعالى : (كَلَّا) ردع ، أي : ليس الأمر على ما هم عليه فليرتدعوا ، وههنا تم الكلام. وقال الحسن : كلا ابتداء متصل بما بعده على معنى حقا ، وجرى الجلال المحلي وأكثر المفسرين على الأوّل.
(إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ) أي : كتب أعمال الكفار وأظهر موضع الإضمار تعميما وتعليقا للحكم بالوصف. واختلف في معنى قوله سبحانه وتعالى : (لَفِي سِجِّينٍ) فقيل : هو كتاب جامع ، وهو ديوان الشر دوّن الله تعالى فيه أعمال الشياطين وأعمال الكفرة والفسقة من الجنّ والإنس ، وقيل : هو مكان تحت الأرض السابعة وهو محل إبليس وجنوده. وقال عبد الله بن عمر : سجين في الأرض السابعة السفلى فيها أرواح الكفار.
__________________
(١) أخرجه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٩٣٨ ، ومسلم في الجنة حديث ٢٨٦٢ ، والترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٣٣٦ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤٢٧٨.
(٢) أخرجه مسلم في الجنة حديث ٢٨٦٤ ، والترمذي في القيامة حديث ٢٤٢١.