١٠٧] وعن ابن عباس مدّت مدّ الأديم العكاظيّ لأنّ الأديم إذا مدّ زال كل انثناء فيه وأمت واستوى.
(وَأَلْقَتْ) أي : أخرجت (ما فِيها) من الكنوز والموتى كقوله تعالى : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) [الزلزلة : ٢١]. (وَتَخَلَّتْ) أي : خلت منها حتى لم يبق في بطنها شيء ، وذلك يؤذن بعظم الأمر كما تلقي الحامل ما في بطنها عند الشدّة ، ووصفت الأرض بذلك توسعا وإلا فالتحقيق أنّ الله تعالى هو المخرج لتلك الأشياء من الأرض.
وقوله تعالى : (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) تقدّم تفسيره ، وهذا ليس بتكرار لأنّ الأول في السماء وهذا في الأرض ، وتقدّم جواب إذا. ومن جملة ما قيل فيه وما عطف عليه أنه محذوف دل عليه ما بعده ، تقديره : لقي الإنسان عمله وذلك كله يوم القيامة. واختلف في الإنسان في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ) أي : الآنس بنفسه الناسي لأمر ربه (إِنَّكَ كادِحٌ) فقيل : المراد جنس الإنسان كقولك : يا أيها الرجل ، فكأنه خطاب خص به أحد من الناس. قال القفال : وهو أبلغ من العموم ؛ لأنه قائم مقام التنصيص على مخاطبة كل واحد منهم على التعيين بخلاف اللفظ العامّ. وقيل : المراد منه رجل بعينه ، فقيل : هو محمد صلىاللهعليهوسلم ، والمعنى : إنك كادح في إبلاغ رسالات الله تعالى وإرشاد عباده وتحمل الضرر من الكفار ، فأبشر فإنك تلقى الله تعالى بهذا العمل. وقال ابن عباس : هو أبيّ بن خلف وكدحه هو جدّه واجتهاده في طلب الدنيا ، وإيذاء النبيّ صلىاللهعليهوسلم والإصرار على الكفر. والكدح : جهد النفس في العمل والكد فيه حتى يؤثر فيها من كدح جلده إذا خدشه.
ومعنى كادح (إِلى رَبِّكَ) أي : جاهد إلى لقائه وهو الموت ، أي : هذا الكدح يستمرّ إلى هذا الزمن وقال القفال : تقديره إنك كادح في دنياك. (كَدْحاً) تصير إلى ربك. وقوله تعالى : (فَمُلاقِيهِ) يجوز أن يكون عطفا على كادح ، والسبب فيه ظاهر ، وأن يكون خبر مبتدأ مضمر أي : فأنت ملاقيه ، وقيل : جواب إذا ، والضمير في ملاقيه إمّا للرب أي : ملاقي حكمه لا مفر لك منه ، وإمّا للكدح إلا أنّ الكدح عمل وهو عرض لا يبقى ، فملاقاته ممتنعة ، فالمراد جزاء كدحك من خير أو شرّ. وقال الرازي : المراد ملاقاة الكتاب الذي فيه بيان تلك الأعمال ، ويؤكد هذا قوله تعالى بعده : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ) أي : كتاب عمله الذي كتبته الملائكة. (بِيَمِينِهِ) أي : من أمامه وهو المؤمن المطيع. (فَسَوْفَ يُحاسَبُ) أي : يقع حسابه بوعد لا خلف فيه ، وإن طال الأمد لإظهار الجبروت والكبرياء والقهر. (حِساباً يَسِيراً) هو عرض عمله عليه كما فسر في حديث الصحيحين وفيه : «من نوقش الحساب هلك» (١) وفي رواية : «من حوسب عذب» (٢). وقالت عائشة : «أليس يقول الله تعالى : (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) فقال : إنما ذلك العرض ، ولكن من نوقش الحساب عذب» (٣) وإنما حوسب حسابا سهلا لأنه كان يحاسب نفسه فلا تقع له المخالفة إلا
__________________
(١) أخرجه البخاري في العلم حديث ١٠٣ ، ومسلم في الجنة حديث ٢٨٧٦ ، والترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٣٣٧ ، وأبو داود في الجنائز حديث ٣٠٩٣.
(٢) أخرجه بهذا اللفظ أبو داود في الجنائز حديث ٣٠٩٣ ، والترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٣٣٨ ، وأحمد في المسند ٦ / ١٠٨.
(٣) انظر الحاشية ما قبل السابقة.