ذهولا ، فلأجل ذلك تعرض أعماله فيقبل حسنها ويعفى عن سيئها.
(وَيَنْقَلِبُ) أي : يرجع بنفسه من غير مزعج برغبة وقبول (إِلى أَهْلِهِ) أي : الذين أهله بهم في الجنة من الحور العين والآدميات والذريات إذا كانوا مؤمنين (مَسْرُوراً) أي : قد أوتي جنة وحريرا ، فإنه كان في الدنيا في أهله مشفقا من العرض على الله يحاسب نفسه حسابا عسيرا مع ما هو فيه من نكد الأهل وضيق العيش.
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) وهو الكافر تغل يمناه إلى عنقه ، وتجعل يسراه وراء ظهره فيأخذ بها كتابه.
(فَسَوْفَ يَدْعُوا) أي : بوعد لا خلف في وقوعه (ثُبُوراً) يقول : يا ثبوراه ، والثبور : الهلاك ، كقوله تعالى : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) [الفرقان : ١٣].
(وَيَصْلى سَعِيراً) أي : يدخل النار الشديدة. وقرأ أبو عمرو وعاصم بفتح الياء وسكون الصاد وتخفيف اللام ، والباقون بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام ، وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة ، وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين ، وإذا فتح ورش غلظ اللام ، وإذا أمال رقق والباقون بالفتح.
(إِنَّهُ كانَ) أي : بما هو له كالجبلة (فِي أَهْلِهِ) أي : عشيرته في الدنيا (مَسْرُوراً) قال القفال : أي : منعما مستريحا من التعب بأداء العبادات واحتمال مشقة الفرائض من الصلاة والجهاد مقدما على المعاصي آمنا من الحساب والثواب والعقاب لا يخاف الله تعالى ، ولا يرجوه فأبدله الله تعالى بذلك السرور غما باقيا لا ينقطع.
وقيل : إنّ قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) كقوله تعالى : (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) [المطففين : ٣١] أي : متنعمين في الدنيا معجبين بما هم عليه من الكفر بالله تعالى والتكذيب بالبعث ، ويضحكون ممن آمن بالله تعالى ، وصدّق بالحساب كما قال صلىاللهعليهوسلم : «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» (١). (إِنَّهُ ظَنَ) أي : لضعف نظره (أَنْ) مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي : أنه (لَنْ يَحُورَ) أي : لن يرجع إلى الله تعالى تكذيبا بالمعاد. يقال : لا يحور ولا يحول ، أي : لا يرجع ولا يتغير. قال لبيد (٢) :
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه |
|
يحور رمادا بعد إذ هو ساطع |
وعن ابن عباس : ما كنت أدري ما معنى يحور حتى سمعت أعرابية تقول لبنية لها : حوري ، أي : ارجعي.
وقوله تعالى : (بَلى) إيجاب لما بعد النفي في لن يحور ، أي : بلى ليحورنّ. (إِنَّ رَبَّهُ) أي : الذي ابتدأ إنشاءه ورباه (كانَ) أي : أزلا وأبدا (بِهِ بَصِيراً) أي : من يوم خلقه إلى يوم بعثه ، أو بأعماله لا ينساها. وقال عطاء : بصيرا بما سبق عليه في أمّ الكتاب من الشقاوة.
__________________
(١) أخرجه مسلم في الزهد حديث ٢٩٥٦ ، والترمذي في الزهد حديث ٢٣٢٤ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤١١٣ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٩٧ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ٦٠٤.
(٢) البيت من الطويل ، وهو للبيد في ديوانه ص ١٦٩ وحماسة البحتري ص ٨٤ ، والدرر ٢ / ٥٣ ، ولسان العرب (حور) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ١١٠.