الصفة السادسة : قوله تعالى : (وَنَمارِقُ) وهي الوسائد ، واحدها : نمرقة بضم النون والراء وكسرهما لغتان أشهرهما الأولى وهي وسادة صغيرة قالت (١) :
نحن بنات طارق |
|
نمشي على النمارق |
(مَصْفُوفَةٌ) أي : واحدة إلى جنب واحدة أخرى قال الشاعر (٢) :
كهولا وشبانا حسانا وجوههم |
|
لهم سرر مصفوفة ونمارق |
الصفة السابعة : قوله تعالى : (وَزَرابِيُ) وهي جمع زربية بفتح الزاي وكسرها لغتان مشهورتان وهي بسط عراض فاخرة. وقال ابن عباس : الطنافس التي لها خمل ، أي : وبر رقيق. واختلف في قوله تعالى : (مَبْثُوثَةٌ) فقال قتادة : مبسوطة. وقال عكرمة : بعضها فوق بعض. وقال الفراء : كثيرة. وقال القتيبي : مفرّقة في المجالس. قال القرطبي : وهذا أصح فهي كثيرة متفرّقة ومنه قوله تعالى : (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) [البقرة : ١٦٤].
ولما ذكر تعالى أمر الدارين تعجب الكفار من ذلك فكذبوه وأنكروه فذكرهم الله تعالى صنعه وقدرته بقوله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ ،) أي : المنكرون لقدرته سبحانه وتعالى على الجنة ، وما ذكر فيها ، والنار وما ذكر فيها ، أي : نظر اعتبار. (إِلَى الْإِبِلِ) ونبه على أنه عجيب خلقها مما ينبغي أن تتوفر الدعاوى على الاستفهام والسؤال عنه بأداة الاستفهام ، فقال تعالى : (كَيْفَ خُلِقَتْ ،) أي : خلقا عجيبا دالا على كمال قدرته وحسن تدبيره ، حيث خلقها للنهوض بالأثقال وجرّها إلى البلاد النائية فجعلها تبرك حتى تحمل عن قرب ويسر ، ثم تنهض بما حملت وخسرها منقادة لكل من اقتادها بأزمتها لا تعارض ضعيفا ولا تنازع صغيرا وبرأها طوال الأعناق لتنوء بالأوقار. وعن بعض الحكماء أنه حدّث عن البعير وبديع خلقه وقد نشأ في بلاد لا إبل بها فتفكر ، ثم قال : يوشك أن تكون طوال الأعناق وحين أراد بها أن تكون سفائن البرّ صبرها على احتمال العطش ، حتى أنّ ظماءها لتصبر على عشر فصاعدا ليتأتى لها قطع البراري والمفاوز مع ما لها من منافع أخر ، ولذلك خصت بالذكر لبيان الآيات المثبتة في الحيوانات التي هي أشرف المركبات وأكثرها صنعا ، ولأنها أعجب ما عند العرب من هذا النوع لأنها ترعى كل شيء نابت في البراري والمفاوز مما لا ترعاه سائر البهائم.
وعن سعيد بن جبير قال : لقيت شريحا القاضي فقلت له : أين تريد؟ قال : أريد الكناسة ، قلت : وما تصنع بها؟ قال : أنظر إلى الإبل كيف خلقت.
تنبيه : الإبل اسم جمع واحده بعير وناقة وجمل ولا واحد لها من لفظها. وقال المبرد : الإبل هنا القطع العظيمة من السحاب. قال الثعلبي : ولم أجد لذلك أصلا في كتب الأئمة. وقال الماوردي : وفي الإبل وجهان : أظهرهما : أنها الإبل ، والثاني : أنها السحاب فإن كان المراد بها
__________________
(١) الرجز لهند بنت عتبة في أدب الكاتب ص ٩٠ ، والأغاني ١٢ / ٣٤٣ ، ولها أو لهند بنت بياضة بن رياح (أو رباح) بن طارق الإيادي في شرح شواهد المغني ٢ / ٨٠٩ ، ولسان الرعب (طرق) ، ولهند بنت بياضة في معجم ما استعجم ص ٧٠ ، ولهند بنت الفند الزماني (سهيل بن شيبان) في الأغاني ٢٣ / ٢٥٤.
(٢) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.