(أَكْلاً لَمًّا ،) أي : ذا لم واللمّ الجمع الشديد. يقال : لممت الشيء لما ، أي : جمعته جمعا. قال الحطيئة (١) :
إذا كان لما يتبع الذم ربه |
|
فلا قدس الرحمن تلك الطواحنا |
والجمع بين الحلال والحرام فإنهم كانوا يورثون النساء والصبيان ويأكلون أنصباءهم ويأكلون ما جمعه المورث من حلال وحرام عالمين بذلك ، فيلمون في الأكل بين حلاله وحرامه ويجوز أن يذمّ الوارث الذي ظفر بالمال مهلا مهلا من غير أن يعرق فيه جبينه فيسرف في إنفاقه ويأكله أكلا واسعا جامعا بين ألوان المشتهيات من الأطعمة والأشربة والفواكه كما يفعل البطالون.
ولما دل على حب الدنيا بأمر خارجي دل عليه في الإنسان فقال تعالى : (وَيُحِبُّونَ ،) أي : على سبيل الاستمرار (الْمالَ ،) أي : هذا النوع من أي شيء كان وأكد بالمصدر والوصف فقال تعالى (حُبًّا جَمًّا ،) أي : كثيرا شديدا مع الحرص والشره ومنع الحقوق.
وقوله تعالى : (كَلَّا) ردع لهم عن ذلك وإنكار لفعلهم. ثم أخبر تعالى عن تلهفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم فقال عز من قائل : (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ ،) أي : حصل دكها ورجها وزلزلتها لتسويتها فتكون كالأديم الممدود بشدّة المط لا عوج فيها بوجه (دَكًّا دَكًّا ،) أي : مرّة بعد مرّة ، وكسر كل شيء على ظهرها من جبل وبناء وشجر فلم يبق على ظهرها شيء وينعدم.
(وَجاءَ رَبُّكَ) قال الحسن : أمره وقضاؤه (وَالْمَلَكُ ،) أي : الملائكة. وقوله تعالى : (صَفًّا صَفًّا) حال ، أي : مصطفين ، أي : ذوي صفوف كثيرة فتنزل ملائكة كل سماء فيصطفون صفا بعد صف محدقين بالجن والإنس.
(وَجِيءَ ،) أي : بأسهل أمر (يَوْمَئِذٍ ،) أي : إذ وقع ما ذكر (بِجَهَنَّمَ ،) أي : النار التي تتجهم من يصلاها كقوله تعالى : (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ) [النازعات : ٣٦] ويروى «أنها لما نزلت تغير وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فعرف في وجهه حتى اشتدّ على أصحابه فأخبروا عليا فجاء فاحتضنه من خلفه وقبل ما بين عاتقيه ، ثم قال : يا نبيّ الله بأبي أنت وأمي ما الذي حدث اليوم وما الذي غيرك فتلا عليه الآية. فقال له علي : كيف يجاء بها؟ قال : يجيء بها سبعون ألف ملك يقودونها بسبعين ألف زمام فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع ، ثم تعرض لي جهنم فتقول : ما لك ولي يا محمد إنّ الله تعالى قد حرم لحمك علي فلا يبقى أحد إلا قال : نفسي نفسي إلا محمد صلىاللهعليهوسلم فيقول : رب أمّتي أمّتي» (٢). وقال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : تقاد جهنم بسبعين ألف زمام كل زمام بيد ألف ملك لها تغيظ وزفير حتى تنصب على يسار العرش.
وقوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ ،) أي : يوم يجاء بجهنم بدل من إذ وجوابها (يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ،) أي : يتذكر الكافر ما فرط أو يتعظ لأنه يعلم قبح معاصيه فيندم عليها (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى ،) أي : ومن أين له منفعة الذكرى. قال الزمخشري : لا بد من حذف مضاف وإلا فبين (يَتَذَكَّرُ) وبين (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) تناف وتناقض.
تنبيه : أنى خبر مقدّم والذكرى مبتدأ مؤخر وله متعلق بما تعلق به الظرف. وقرأ (وَأَنَّى) حمزة والكسائي بالإمالة محضة ، وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين ، وقرأ الدوري عن أبي عمرو
__________________
(١) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.
(٢) انظر القرطبي في تفسيره ٢٠ / ٥٥ ـ ٥٦.