١٢٥] وحرم صيده وجعل البيت المعمور بإزائه ، ودحيت الأرض من تحته ، فهذه الفضائل وأكثر منها إنما اجتمعت في مكة لا جرم أقسم الله تعالى بها.
(وَأَنْتَ ،) أي : يا أشرف الخلق (حِلٌّ ،) أي : حلال لك ما لم يحل لغيرك من قتل من تريد ممن يدعي أنه لا قدرة لأحد عليه (بِهذَا الْبَلَدِ) بأن يحل لك فتقاتل فيه.
وقد أنجز الله له هذا الوعد يوم الفتح وأحلها له ، وما فتحت على أحد قبله ولا أحلت له فأحل ما شاء وحرم ما شاء قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ، ومقيس بن صبابة وغيرهما ، وحرم دار أبي سفيان ثم قال : «إنّ الله حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام إلى أن تقوم الساعة لم تحل لأحد قبلي ، ولن تحل لأحد بعدي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار فلا يعضد شجرها ولا يختلى خلاها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشدها. فقال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقيوننا وقبورنا وبيوتنا ، فقال صلىاللهعليهوسلم : إلا الإذخر» (١). ونظير (وَأَنْتَ حِلٌ) في معنى الاستقبال قوله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر : ٣٠] ومثله واسع في كلام العرب ، تقول لمن تعده الإكرام والحباء لأنت مكرم محبوّ ، وهو في كلام الله تعالى واسع لأنّ الأحوال المستقبلة عنده كالحاضرة المشاهدة ، وكفاك دليلا قاطعا على أنه للاستقبال وأنّ تفسيره بالحال محال أنّ السورة بالاتفاق مكية ، وأين الهجرة من وقت نزولها ، فما بال الفتح والجملة اعتراض بين المقسم به وما عطف عليه.
واختلف في قوله تعالى : (وَوالِدٍ وَما وَلَدَ) فقال الزمخشري : هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن ولده أقسم ببلده الذي هو مسقط رأسه ، وحرم أبيه إبراهيم ، ومنشأ أبيه إسماعيل وبمن ولده وبه. وقال البغويّ : هما آدم وذريّته ، وقيل : كلّ والد وولده. فإن قيل : هلا قيل : ومن ولد؟ أجيب : بأنّ فيه ما في قوله تعالى : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) [آل عمران : ٣٦] أي : بأي شيء وضعت يعني ، أي : بأي شيء وضعت يعني موضوعا عجيب الشأن ، أو أن ما بمعنى من. والذي عليه أكثر المفسرين هما آدم وذريّته ؛ لأنهم أعجب ما خلق الله تعالى على وجه الأرض لما فيهم من البيان والنطق والتدبير واستخراج العلوم ، وفيهم الأنبياء والدعاة إلى الله تعالى والأنصار لدينه ، وأمر الملائكة بالسجود لآدم وعلمه الأسماء كلها. ولقد قال الله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) [الإسراء : ٧٠] وقيل : هما آدم والصالحون من ذريته ، وأما الطالحون فكأنهم بهائم كما قال تعالى : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) [الفرقان : ٤٤](صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) [البقرة : ١٨].
والمقسم عليه قوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ ،) أي : الجنس (فِي كَبَدٍ) قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أي : شدّة ونصب ، وعنه أيضا في شدّة من حمله وولادته ورضاعه ونبت أسنانه وسائر أحواله. وعن عكرمة منتصبا في بطن أمّه ، والكبد الاستواء والاستقامة ، فهذا امتنان
__________________
(١) روي الحديث بطرق وأسانيد متعددة ، أخرجه البخاري في الجنائز باب ٧٦ ، والعلم باب ٣٩ ، والصيد باب ٩ ، ١٠ ، والبيوع باب ٢٨ ، واللقطة باب ٧ ، والجزية باب ٢٢ ، والمغازي باب ٥٣ ، والديات باب ٨ ، ومسلم في الحج حديث ٤٤٥ ، ٤٤٧ ، ٤٤٨ ، وأبو داود في المناسك باب ٨٩ ، والنسائي في الحج باب ١١٠ ، ١٢٠ ، وابن ماجه في المناسك باب ١٠٣ وأحمد في المسند ١ / ٢٥٣ ، ٢٥٩ ، ٣١٦ ، ٣٤٨ ، ٢ / ٢٣٨.