قذف في قلوب أهل الشرق والغرب من الرعب وتهيب الإسلام وفشوّ الدعوة واستيلاء المسلمين. ولما أعطاه في الآخرة من الثواب الذي لا يعلم كنهه إلا الله تعالى.
قال ابن عباس : له في الجنة ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك. فإن قيل : ما هذه اللام الداخلة على سوف؟ أجيب : بأنها لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة ، والمبتدأ محذوف تقديره : ولأنت سوف يعطيك ، وذلك أنها لا تخلو من أن تكون لام قسم أو ابتداء فلام القسم لا تدخل على المضارع إلا مع نون التوكيد نبقي أن تكون لام ابتداء ، ولام الابتداء لا تدخل إلا على الجملة من المبتدأ والخبر فلا بدّ من تقدير مبتدأ وخبر ، وأن يكون أصله : ولأنت سوف يعطيك.
فإن قيل : ما معنى الجمع بين حرفي التأكيد والتأخير؟ أجيب : بأن معناه : أنّ العطاء كائن لا محالة وإن تأخر لما في التأخير من المصلحة على أنه تعالى أخبر نبيه صلىاللهعليهوسلم بالحال التي كان عليها.
فقال جل ذكره : (أَلَمْ يَجِدْكَ) وهو استفهام تقرير ، أي : وجدك (يَتِيماً) وذلك أنّ أباه مات وهو جنين قد أتت عليه ستة أشهر ، وقيل : مات قبل ولادته وماتت أمّه وهو ابن ثمان سنين. (فَآوى ،) أي : بأن ضمك إلى عمك أبي طالب فأحسن تربيتك. وعن مجاهد : هو من قول العرب درة يتيمة إذا لم يكن لها نظير ، فالمعنى : ألم يجدك يتيما واحدا في شرفك فآواك الله تعالى بأصحاب يحفظونك ويحوطونك. وهذا خلاف الظاهر من الآية ، ولهذا قال الزمخشري : ومن بدع التفاسير أنه من قولهم : درة يتيمة ، وأنّ المعنى : ألم يجدك واحدا في قريش عديم النظير فآواك. فإن قيل : كيف أنّ الله تعالى يمنّ بنعمه والمنّ بها لا يليق ، ولهذا ذمّ فرعون في قوله لموسى عليهالسلام : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) [الشعراء : ١٨]؟ أجيب : بأنّ ذلك يحسن إذا قصد به تقوية قلبه ووعده بدوام النعمة ، فامتنان الله تعالى زيادة نعمة بخلاف امتنان الآدمي.
واختلفوا في قوله تعالى : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) فأكثر المفسرين على أنه كان ضالا عما هو عليه الآن من الشريعة فهداه الله تعالى إليها ، وقيل : الضلال بمعنى الغفلة كقوله تعالى : (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) [طه : ٥٢] ، أي : لا يغفل. وقال تعالى في حق نبيه صلىاللهعليهوسلم : (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) [يوسف : ٣]. وقال الضحاك : المعنى : لم تكن تدري القرآن وشرائع الإسلام فهداك إلى القرآن وشرائع الإسلام.
وقال السدي : وجدك ضالا ، أي : في قوم ضلال فهداهم الله تعالى بك ، أو فهداك على إرشادهم. وقيل : وجدك ضالا عن الهجرة فهداك إليها. وقيل : ناسيا شأن الاستثناء حين سئلت عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح فذكرك كقوله تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) [البقرة : ٢٨٢]. وقيل : وجدك طالبا للقبلة فهداك إليها. كقوله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) [البقرة : ١٤٤] الآية ، ويكون الضلال بمعنى الطلب لأنّ الضال طالب وقيل : وجدك ضائعا في قومك فهداك إليهم ، ويكون الضلال ، بمعنى المحبة كما قال تعالى : (تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) [يوسف : ٩٥] ، أي : محبتك. قال الشاعر (١) :
هذا الضلال أشاب مني المفرقا |
|
والعارضين ولم أكن متحققا |
عجبا لعزة في اختيار قطيعتي |
|
بعد الضلال فحبلها قد أخلقا |
__________________
(١) البيتان لم أجدهما في المصادر والمراجع التي بين يدي.