الفراء ، وقال : لم يكن غنى عن كثرة المال ولكن الله تعالى أرضاه بما أعطاه ، وذلك حقيقة الغنى. قال صلىاللهعليهوسلم : «ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس» (١) وقال صلىاللهعليهوسلم : «قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه» (٢).
قيل : أغناك بمال خديجة وتربية أبي طالب ، ولما اختل ذلك أغناه بمال أبي بكر ولما اختل ذلك أمره بالجهاد وأغناه بالغنائم. روى الزمخشري : أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «جعل رزقي تحت ظل رمحي» (٣). وقال الرزاي : العائل ذو العيلة ثم أطلق على الفقير ، ويجوز أن يراد ووجدك ذا عيال لا تقدر على التوسعة عليهم فأغناك بما جعل لك من ربح التجارة ، ثم من كسب الغنائم.
وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته ، قلت : يا رب إنك آتيت سليمان بن داود ملكا عظيما ، وآتيت فلانا كذا وفلانا كذا قال : يا محمد ألم أجدك يتيما فآويتك ، قلت : بلى يا رب. قال : ألم أجدك ضالا فهديتك؟ قلت : بلى يا رب ، قال : ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ قلت : بلى يا رب» (٤). وفي رواية «ألم أشرح لك صدرك ووضعت عنك وزرك؟ قلت بلى يا رب» (٥).
ثم أوصاه باليتامى والمساكين والفقراء فقال تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ ،) أي : هذا النوع (فَلا تَقْهَرْ) قال مجاهد : لا تحقر اليتيم فقد كنت يتيما. وقال الفراء : لا تقهره على ماله فتذهب بحقه لضعفه كما كانت العرب تفعل في أموال اليتامى ، تأخذ أموالهم وتظلمهم حقوقهم. وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشرّ بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه ، ثم قال بإصبعيه : أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وهو يشير بإصبعيه» (٦).
تنبيه : اليتيم منصوب بتقهر ، وبه استدل ابن مالك على أنه لا يلزم من تقديم المعمول تقديم العامل ، ألا ترى أنّ اليتيم منصوب بالمجزوم وقد تقدّم على الجازم ، ولو تقدّم على لا ، لامتنع ؛ لأنّ المجزوم لا يتقدّم على جازمه كالمجرور لا يتقدّم على جاره وفي الآية دلالة على اللطف باليتيم وبره والإحسان إليه ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «من ضمّ يتيما وكان في نفقته وكفاه مؤنته كان له حجابا من النار يوم القيامة» (٧). وقال : «من مسح برأس يتيم كان له بكل شعرة حسنة» (٨). وقال قتادة : كن لليتيم كالأب الرحيم.
__________________
(١) أخرجه البخاري في الرقاق حديث ٦٤٤٦ ، ومسلم في الزكاة حديث ١٠٥١ ، والترمذي في الزهد حديث ٢٣٧٣ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤١٣٧.
(٢) أخرجه مسلم في الزكاة حديث ١٠٥٤ ، والترمذي في الزهد حديث ٢٣٤٨.
(٣) أخرجه البخاري في الجهاد باب ٨٨ ، وأحمد في المسند ٢ / ٥٠ ، ٩٢.
(٤) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤.
(٥) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ٢٥٤.
(٦) أخرجه ابن ماجه حديث ٣٦٧٩ ، والتبريزي في مشكاة المصابيح ٤٩٧٣ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٦ / ٢٩١ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٥٩٩٤.
(٧) أخرجه القرطبي في تفسيره ٢٠ / ١٠١ ، وأخرجه أحمد في المسند ٤ / ٣٤٤ ، ٥ / ٢٩ ، بلفظ : «من ضم يتيما بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت ...».
(٨) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٨ / ٢٨٤ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ١٦٠.