(وَطُورِ سِينِينَ ،) أي : الجبل الذي ناجى عليه موسى عليهالسلام ربه عزوجل ، وسينين وسيناء اسمان للموضع الذي هو فيه فأضيف الجبل إلى المكان الذي هو فيه. وقال مقاتل والكلبيّ : سينين كل جبل فيه شجر مثمر فهو سينين وسيناء بلغة النبط ولم ينصرف سينين كما لا ينصرف سيناء لأنه جعل اسما للبقعة أو الأرض ، ولو جعل اسما للمكان أو للمنزل أو اسم مذكر لانصرف لأنك سميت مذكرا بمذكر وإنما أقسم بهذا الجبل لأنه بالشام وهي الأرض المقدّسة ، وقد بارك فيها قال الله تعالى : (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) [الإسراء : ١] ولا يجوز أن يكون سينين نعتا للطور لإضافته إليه.
(وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ،) أي : الآمن ، من أمن الرجل أمانة فهو أمين ، وهي مكة حرسها الله تعالى ؛ لأنها الحرم الذي يأمن الناس فيه في الجاهلية والإسلام ، لا ينفر صيده ولا يعضد ورقه ، أي : شجره ، ولا تلتقط لقطته إلا لمنشد أو المأمون فيه يأمن فيه من دخله.
قال الزمخشريّ : ومعنى القسم بهذه الأشياء الإبانة عن شرف البقاع المباركة وما ظهر منها من الخير والبركة بسكنى الأنبياء والصالحين فمنبت التين والزيتون مهاجر إبراهيم عليهالسلام ، ومولد عيسى عليهالسلام ومنشؤه والطور المكان الذي نودي منه موسى عليهالسلام ، ومكة البيت الذي هو هدى للعالمين ومولد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومبعثه ا ه.
وقوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا ،) أي : قدّرنا وأوجدنا بما لنا من العظمة والقدرة التامّة (الْإِنْسانَ) جواب القسم والمراد بالإنسان : الجنس الذي جمع فيه الشهوة والعقل ، وفيه من الإنس بنفسه ما ينسيه أكثر مهمه الشامل لآدم عليهالسلام وذريته. وقيل : نزلت في منكري البعث. وقيل : في الوليد بن المغيرة وقيل : كلدة بن أسيد. وقوله تعالى : (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) صفة لمحذوف ، أي : في تقويم أحسن تقويم. وقال أبو البقاء : في أحسن تقويم في موضع الحال من الإنسان ، وأراد بالتقويم القوام لأن التقويم فعل وذاك وصف للخالق لا للمخلوق ، ويجوز أن يكون التقدير في أحسن قوام التقويم فحذف المضاف ، ويجوز أن تكون في زائدة ، أي : قومناه أحسن تقويم ا ه.
وأحسن تقويم أعدله لأنه تعالى خلق كل شيء منكبا على وجهه وخلق الإنسان مستويا ، وله لسان ذلق ويد وأصابع يقبض بها. قال ابن العربي : ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان ، فإنّ الله تعالى خلقه حيا عالما قادرا مريدا متكلما سميعا بصيرا مدبرا حكيما وهذه صفات الله تعالى وعبر عنها بعض العلماء ، ووقع البيان بقوله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله تعالى خلق آدم على صورته» (١) يعني : على صفاته المتقدّم ذكرها.
وفي رواية «على صورة الرحمن» ومن أين يكون للرحمن صورة شخصية فلم تكن إلا معاني. وروي أنّ عيسى بن يوسف الهاشميّ كان يحب زوجته حبا شديدا ، فقال لها يوما : أنت طالق ثلاثا إن لم تكوني أحسن من القمر فنهضت واحتجبت عنه ، وقالت : طلقتني فبات بليلة عظيمة فلما أصبح غدا إلى دار المنصور فأخبره الخبر ، فاستحضر الفقهاء واستشارهم ، فقال جميع من حضر قد
__________________
(١) أخرجه مسلم في البر حديث ٢٦١٢ (١١٥) ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٤٤ ، ٢٥١ ، ٣٢٣ ، ٤٣٤ ، ٤٦٣ ، ٥١٩.