الْإِنْسانَ) تفخيما لخلق الإنسان ودلالة على عجيب فطرته وقوله تعالى : (مِنْ عَلَقٍ) جمع علقة وهي الدم الجامد ، فإذا جرى فهو المسفوح ولما كان الإنسان اسم جنس في معنى الجمع جمع العلق ، ولمشاكلة رؤوس الآي أيضا.
وقوله تعالى : (اقْرَأْ) تكرير للمبالغة ، أو الأول مطلق والثاني للتبليغ ، أو في الصلاة قال البيضاوي : ولعله لما قيل له : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) قال ما أنا بقارئ فقيل له اقرأ : (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) أي : الزائد في الكرم على كل كريم ، فإنه ينعم على عباده النعم التي لا تحصى ، ويحلم عنهم ولا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وجحودهم لنعمه ، وركوبهم المناهي في اطراحهم الأوامر ، ويقبل توبتهم ويتجاوز عنهم بعد اقتراف العظائم ، فما لكرمه غاية ولا أمد ، وكأنه ليس وراء التكرّم بإفادة الفوائد العلمية تكرّم حيث قال الأكرم : (الَّذِي عَلَّمَ) أي : بعد الحلم عن معاجلتهم بالعقاب جودا منه تعالى من غير مانع من خوف عاقبة ، ولا رجاء منفعة (بِالْقَلَمِ) أي : الخط بالقلم.
(عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) فدل على كمال كرمه بأنه علّم عباده ما لم يعلموه ، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو ، وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ، ولا ضبطت أخبار الأوّلين ومقالاتهم ، ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة ، ولو لا هي لما استقامت أمور الدين والدنيا ، ولو لم يكن على دقيق حكمة الله تعالى ولطيف تدبيره دليل إلا أمر القلم والخط لكفى به. ولبعضهم في صفة القلم (١) :
ورواقم رقش كمثل أراقم |
|
قطف الخطا نيالة أقصى المدى |
سود القوائم ما يجدّ مسيرها |
|
إلا إذا لعبت بها بيض المدى |
وقال قتادة : القلم نعمة من الله تعالى ، ولو لا ذلك لم يقم دين ولم يصلح عيش فدل على كمال كرمه تعالى. وروى عبد الله بن عمر قال : «قلت : يا رسول الله أكتب ما أسمع منك من الحديث قال : نعم فاكتب فإنّ الله تعالى علم بالقلم» (٢). ويروى أنّ سليمان عليهالسلام سأل عفريتا عن الكلام فقال : ريح لا يبقى ،. فقال : فما قيده؟ قال : الكتابة. وعن عمر قال : خلق الله تعالى أربعة أشياء بيده ثم قال تعالى لسائر الحيوان : كن فكان ، وهي القلم والعرش وجنة عدن وآدم عليهالسلام.
وفيمن علم بالقلم ثلاثة أقوال : أحدها : قال كعب : أوّل من كتب بالقلم آدم عليه الصلاة والسلام. ثانيها : قال الضحاك : إدريس عليهالسلام. ثالثها : أنه جميع من كتب بالقلم لأنه ما علم إلا بتعليم الله تعالى.
وقال القرطبي : الأقلام ثلاثة في الأصل : القلم الأوّل : الذي خلقه الله تعالى بيده وأمره أن يكتب في اللوح المحفوظ ، والثاني : قلم الملائكة الذي يكتبون به المقادير والكوائن ، والثالث : أقلام الناس يكتبون بها كلامهم ويصلون بها إلى مآربهم. وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تسكنوا نساءكم الغرف ولا تعلموهنّ الكتابة» (٣). قال بعض العلماء : وإنما حذرهم صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) البيتان لم أجدهما في المصادر والمراجع التي بين يدي.
(٢) أخرجه القرطبي في تفسيره ٢٠ / ١٢٠.
(٣) أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ١٤ / ٢٢٢ ، وابن الجوزي في الموضوعات ٢ / ٢٩٦ ،