وأنه لا بدّ صائر إلى مصيرهم ، وأنّ حاله كحالهم وماله كمالهم.
وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال : «انتهيت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو يقرأ هذه الآية قال : يقول ابن آدم مالي مالي ، وهل لك من مالك إلا ما تصدّقت فأمضيت ، أو أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت» (١). وعن مالك قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ، ويبقى واحد يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله» (٢). وقرأ ألهاكم حمزة والكسائي بالإمالة محضة ، وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين ، والباقون بالفتح.
وقوله تعالى : (كَلَّا) ردع وتنبيه على أنه لا ينبغي للناظر لنفسه أن تكون الدنيا جميع همه ولا يهتم بذنبه. وقوله تعالى : (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) إنذار ليخافوا فينتبهوا عن غفلتهم.
وقوله تعالى : (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) تكرير للتأكيد وثم للدلالة على أن الثاني أبلغ من الأوّل وأشدّ كما يقال للمنصوح أقول لك لا تفعل ، والمعنى سوف تعلمون الخطأ فيما أنتم عليه إذا عاينتم ما قدامكم من هول لقاء الله تعالى ، وأن هذا التنبيه نصيحة لكم ورحمة عليكم.
وعن عليّ كرم الله وجهه ورضي الله عنه (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) في الدنيا. (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) في الآخرة فعلى هذا يكون غير مكرّر لحصول التغاير بينهما لأجل تغاير المتعلقين وثم على بابها من المهلة. وعن ابن عباس (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) ما ينزل بكم من العذاب في القبور (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) في الآخرة إذا حل بكم العذاب فالتكرار للحالتين. وروى زر بن حبيش عن علي كنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت هذه السورة فأشار إلى أنّ قوله تعالى : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) في القبور. وقيل : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) إذا نزل بكم الموت وجاءتكم رسل ربكم بنزع أرواحكم (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) في القيامة أنكم معذبون ، وعلى هذا تضمنت أحوال القيامة ، من بعث وحشر وعرض وسؤال إلى غير ذلك من أهوال القيامة ، وقال الضحاك : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) يعني الكفار (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) أيها المؤمنون فالأوّل وعيد والثاني وعد.
ولما كان هذا أمرا صادقا أشار تعالى إلى أنه يكفي هذه الأمّة المرحومة التأكيد بمرّة واحدة ، فقال سبحانه مردّدا الأمر بين تأكيد الردع تاليا بالأداة الصالحة له ، ولأن يكون بمعنى حقا كما يقوله أئمة القراءة : (كَلَّا) أي : ليشتدّ ارتداعكم عن التكاثر ، فإنه أساس كل بلاء فإنكم (لَوْ تَعْلَمُونَ) أي : أيها الكافرون (عِلْمَ الْيَقِينِ) أي : لو يقع لكم علم على وجه اليقين مرّة من الدهر لعلمتم ما بين أيديكم فلم يلهكم التكاثر ولضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون فحذف الجواب أخوف ليذهب الوهم معه كل مذهب ولا يجوز أن يكون.
(لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) جوابها لأن هذا مثبت ، وجواب لو يكون منفيا ولأنه تعالى عطف عليه ، ثم لتسألن وهو مستقبل لا بد من وقوعه وحذف جواب لو كثير. قال الأخفش : التقدير لو تعلمون علم اليقين لألهاكم بل هو جواب قسم محذوف أكد به الوعيد ، وأوضح به ما أنذرهم منه بعد إبهامه تفخيما.
__________________
(١) أخرجه مسلم في الزهد حديث ٢٩٥٨ ، والترمذي في الزهد حديث ٢٣٤٢ ، والنسائي في الوصايا حديث ٣٦١٣.
(٢) أخرجه البخاري في الرقاق حديث ٦٥١٤ ، ومسلم في الزهد حديث ٢٩٦٠ ، والترمذي في الزهد حديث ٢٣٧٩ ، والنسائي في الجنائز حديث ١٩٣٧ ، وأحمد في المسند ٣ / ١١٠.