وصححه البيهقي عن أم هانئ بنت أبي طالب أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «فضل الله قريشا بسبع خلال أني منهم ، وأنّ النبوّة فيهم ، وأنّ الله نصرهم على الفيل ، وأنهم عبدوا الله عشر سنين لا يعبده غيرهم وأنّ الحجابة والسقاية فيهم ، وأنّ الله أنزل فيهم سورة من القرآن» (١) وسموا قريشا من القرش وهو التكسب والجمع ، يقال : فلان يقرش لعياله ويقترش ، أي : يكتسب ، وهم كانوا تجارا حرّاصا على جمع المال ، وقال أبو ريحانة : سأل معاوية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : لم سميت قريش قريشا؟ قال : لدابة تكون في البحر من أعظم دوابه تعبث بالسفن ، ولا تطاق إلا بالنار يقال لها : القرش ، ولا تمرّ بشيء من الغث والسمين إلا أكلته ، وهي تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى ،. قال : وهل تعرف العرب ذلك في أشعارها ، قال : نعم فأنشده شعر الجمحي (٢) :
وقريش هي التي تسكن البح |
|
ر بها سميت قريش قريشا |
تأكل الغث والسمين فلا تت |
|
رك فيه لذي الجناحين ريشا |
هكذا في الكتاب حي قريش |
|
يأكلون البلاد أكلا كميشا |
ولهم آخر الزمان نبيّ |
|
يكثر القتل منهمو والخموشا |
وقيل : هو من تقرش الرجل إذا تنزه عن مدانس الأمور ، أو من تقارشت الرماح في الحرب إذا دخل بعضها في بعض.
وقوله تعالى : (إِيلافِهِمْ) بدل من الإيلاف الأول ، وقرأ ابن عامر لإلاف بغير ياء بعد الهمزة ، والباقون لإيلاف بياء بعدها ، وأجمع الكل على إثبات الياء في الثاني وهو إيلافهم بالياء بعد الهمزة. قال ابن عادل : ومن غريب ما اتفق في هذين الحرفين أن القراء اختلفوا في سقوط الياء ، وثبوتها في الأول مع اتفاق المصاحف على إثباتها خطا ، واتفقوا على إثبات الياء في الثاني مع اتفاق المصاحف على سقوطها منها خطا ، وهذا أدل دليل على أنّ القراء متبعون الأثر والرواية لا مجرّد الخط. وقوله تعالى : (رِحْلَةَ الشِّتاءِ) منصوب بإيلافهم مفعول به كما نصب يتيما بإطعام ، وهي التي يرحلونها في زمنه إلى اليمن لأنها بلاد حارة ينالون منها متاجر الحبوب. (وَالصَّيْفِ) التي يرحلونها إلى الشام في زمنه ؛ لأنها بلاد باردة ينالون فيها منافع الثمار ، وهم آمنون من سائر العرب لأجل عزهم بالحرم المعظم وبيت الله ، والناس يتخطفون من حولهم ولا يجترىء أحد عليهم.
والإيلاف من قولك : آلفت المكان أولفه إيلافا إذا بلغته فأنا مؤلف ، والأصل رحلتي الشتاء والصيف ولكنه أفرد ليشمل كل رحلة كما هو شأن المصادر وأسماء الأجناس ، وفي ذلك إشارة إلى أنهم يتمكنون من الرحلة إلى أي بلاد أرادوا لشمول الأمن لهم. قال مالك : الشتاء نصف السنة والصيف نصفها.
__________________
(١) أخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٥٣٦ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١٠ / ٢٤ ، والسيوطي في الدر المنثور ٦ / ٣٩٧ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٣٨١٩ ، ٣٣٨٢٠ ، وابن كثير في تفسيره ٨ / ٥١٢.
(٢) الأبيات من الخفيف ، وهي للمشمرج بن عمرو الحميري في خزانة الأدب ١ / ٢٠٤ ، وللهبي في المقتضب ٣ / ٣٦٢ ، وبلا نسبة في لسان العرب (قرش) ، والبيت الثاني بلا نسبة في تهذيب اللغة ٨ / ٣٢٢.