عطاء : ضلت. وقال ابن جبير : هلكت والتباب الهلاك ، ومنه قولهم : أشابة أم تابة ، أي : هالكة من الهرم والتعجيز ، والمعنى : هلكت يداه لأنه فيما يروى أخذ حجرا ليرمي به النبيّ صلىاللهعليهوسلم وقيل : رماه به فأدمى عقبه فلهذا ذكرت اليد وإن كان المراد جملة البدن فهو كقولهم : خسرت يده ، وكسبت يده فأضيفت الأفعال إلى اليد ، وذلك على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله وجميعه ، أو عبر باليدين لأنّ الغالب أنّ الأعمال تزاول بهما. وقال يمان بن رباب : صفرت من كل خير حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه لما قتل عثمان سمع الناس هاتفا يقول (١) :
لقد خلوك وانصرفوا |
|
فما آبوا ولا رجعوا |
ولم يوفوا نذورهم |
|
فتبا للذي صنعوا |
وقيل : المراد باليدين دينه ودنياه ، أو أولاه وعقباه ، أو المراد بأحدهما جرّ المنفعة وبالأخرى دفع المضرّة ، أو لأنّ اليمين سلاح واليسرى جنة. وأبو لهب هو ابن عبد المطلب عمّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، واسمه عبد العزى. فإن قيل : لماذا كني بذلك ولم يكن له ولد اسمه لهب ، وأيضا فالتكنية من باب التعظيم؟ أجيب : عن الأوّل بأنّ الكنية قد تكون اسما كما سمي أبو سفيان وأبو طالب ونحو ذلك ، فإنّ هؤلاء أسماؤهم كناهم ، أو لتلهب وجنتيه وكان مشرق الوجه أحمره؟ وأجيب عن الثاني بوجوه : أحدها : أنه لما كان اسما خرج عن إفادة التعظيم ، ثانيها : أن اسمه كان عبد العزى كما مرّ فعدل عنه إلى كنيته لقبح اسمه لأنّ الله تعالى لم يضف العبودية في كتابه إلى صنم. ثالثها : أنه لما كان من أهل النار ومآله إلى نار ذات لهب ، وافقت حاله كنيته فكان جديرا بأن يذكر بها ، كقولهم : أبو الخير وأبو الشر لصدورهما منه ، أو لأنّ الكنية كانت أغلب من الاسم ، أو لأنها أنقص منه ، ولذلك ذكر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأسمائهم دون كناهم.
وقال الزمخشري : فإن قلت : لما كناه والكنية تكرمة ، ثم ذكر ثلاثة أجوبة إمّا لشهرته بكنيته ، وإمّا لقبح اسمه كما تقدّم ، وإمّا لأنه لما كان من أهل النار ومآله إلى نار ذات لهب وافقت حالته كنيته ا ه. وهذا يقتضي أنّ الكنية أشرف من اللقب لا أنقص وهو عكس قول تقدّم. وقرأ ابن كثير بإسكان الهاء ، والباقون بفتحها وهما لغتان بمعنى نحو : النهر والنهر.
وقوله تعالى : (وَتَبَ) خبر كما يقال : أهلكه الله وقد هلك ، فالأول : أخرج مخرج الدعاء عليه ، والثاني : أخرج مخرج الخبر فحقق به ما أريد من الإسناد إلى اليدين من الكناية عن الهلاك الذي لا بقاء بعده ، وقيل : المراد بالأوّل ماله وملكه كما يقال فلان قليل ذات اليد يعنون به المال ، وبالثاني نفسه.
ولما دعا صلىاللهعليهوسلم أقربيه إلى الله تعالى وخوّفهم ، قال أبو لهب : إن كان ما يقول ابن أخي حقا فإني أفتدي نفسي بمالي وولدي فأنزل الله تعالى : (ما أَغْنى عَنْهُ) أي : عن أبي لهب (مالُهُ ،) أي : الكثير الذي جرت العادة أنه منج من الهلاك ، فإنه كان صاحب مواش كثيرة. (وَما كَسَبَ ،) أي : من الولد والأصحاب والعز بعشيرته التي كان يؤذي بها النبيّ صلىاللهعليهوسلم وكان ابنه عتبة شديد الأذى
__________________
(١) البيتان لم أجدهما في المصادر والمراجع التي بين يدي.