لأنّ الأرض إذا صارت حية صارت آهلة وأقام بها القوم وعمروها فصارت بلدة فأسقط التاء لأنّ معنى الفاعلية غير ظاهر فتثبت فيه الهاء وإذا كان معنى الفاعل لم يظهر لا تثبت فيه الهاء.
ويحقق هذا القول قوله تعالى (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) [سبأ : ١٥] حيث أثبت الهاء حيث ظهر معنى الفاعل ولم يثبت حيث لم يظهر (كَذلِكَ) أي : مثل الإخراج العظيم (الْخُرُوجُ) من قبورهم على ما كانوا عليه في الدنيا إذ لا فرق بين خروج النبات بعد ما تهشم وتفتت في الأرض وصار ترابا كما كان من بين أصفره وأبيضه وأحمره وأزرقه إلى غير ذلك وبين إخراج ما تفتت من الموتى كما كانوا في الدنيا
تنبيه : قال أبو حيان : ذكر تعالى في السماء ثلاثة البناء والتزيين ونفي الفروج وفي الأرض ثلاثة المدّ وإلقاء الرواسي والإنبات فقابل المدّ بالبناء لأنّ المدّ وضع والبناء رفع وإلقاء الرواسي بالتزيين بالكواكب لارتكاب كل واحد منها أي على سطح ما هو فيه والإنبات المترتب على الشق بانتفاء الفروج فلا شق فيها ونبه فيما تعلق به الإنبات على ما يقطف كل سنة ويبقى أصله وما يزرع كل سنة أو سنتين ويقطف كل سنة وعلى ما اختلط من جنسين فبعض الثمار فاكهة لا قوت وأكثر الزرع قوت والثمر فاكهة وقوت.
وقوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) الآية فيه تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم وتنبيه بأنّ حاله كحال من تقدّمه من الرسل كذبوا وصبروا فأهلك الله تعالى مكذبيهم ونصرهم. ولما لم يكن لهؤلاء المكذبين شهرة يعرفون بها قال تعالى : (قَوْمُ نُوحٍ) الذين كان آخر أمرهم أنه التقى عليهم الماءان نزل عليهم ماء السماء وطلع عليهم ماء الأرض فأغرقهم ووسم الفعل بالتاء إشارة إلى هوائهم في جنب هذا المجد وأسقط الجار من قوله تعالى : (قَبْلَهُمْ) إشارة إلى أنّ هؤلاء الأحزاب لقوتهم وكثرتهم كأنهم أهل الأرض قد استغرقوا مكانها وزمانها ثم أتبع قوم نوح بمشابهيهم بقوله تعالى : (وَأَصْحابُ الرَّسِ) أي : البئر كانوا مقيمين عليها بمواشيهم يعبدون الأصنام ، ونبيهم قيل : حنظلة بن صفوان وقيل غيره فخسفت تلك البئر مع ما حولها فذهبت بهم وبكل ما لهم كما ذكرت قصتهم في الفرقان.
ثم أتبع أصحاب الرس بقوم صالح عليهالسلام فقال (وَثَمُودُ) لأنّ الرجفة التي أخذتهم مبدأ الخسف ثم أتبع ثمود بقوم هود عليهالسلام فقال تعالى : (وَعادٌ) لأنّ الريح التي أهلكتهم أثرت بها صيحة ثمود وقال تعالى : (وَفِرْعَوْنُ) ولم يقل قوم فرعون لأنه ليس في قادة هذه الفرق كافر غيره والنص عليه يفهم عظمته وأنه استخف قومه فأطاعوه (وَإِخْوانُ لُوطٍ) أي : أصهاره الذين صار بينه وبينهم مع المصاهرة المناصرة بملوكهم على من قاواهم بنفسه وعمه خليل الله إبراهيم عليهماالسلام ومع ذلك عاملوه بالخيانة والتكذيب.
(وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) أي : الغيضة. وهم قوم شعيب ، والغيضة الشجر الملتف بعضه على بعض ولما كان تبع الحميري واسمه سعد وكنيته أبو كرب مع كونه في قومه ملكا قاهرا وخالفوه مع ذلك ، وكان لقومه نار في بلادهم يتحاكمون إليها فتأكل الظالم ختم بهم فقال تعالى : (وَقَوْمُ تُبَّعٍ) مع كونه ملكا وهو يدعوهم إلى الله تعالى فلا يظنّ أنّ التكذيب مخصوص بمن كان قويا لمن كان مستضعفا بل هو واقع بمن شئنا من قوي وضعيف لا يخرج شيء عن مرادنا (كُلٌ) أي من هذه الفرق (كَذَّبَ الرُّسُلَ) أي كلهم بتكذيب رسولهم فإن الكل متساوون فيما يوجب الإيمان من إظهار المعجز والدعاء إلى الله تعالى (فَحَقَ) أي : فتسبب عن تكذيبهم لهم أن ثبت عليهم ووجب