فيه ، وقال قتادة : هو الباقي بعد فناء خلقه ، وقال سعيد بن جبير : هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله ، وقال السدّي : هو المقصود إليه في الرغائب المستغاث به عند المصائب. تقول العرب : صمدت فلانا أصمده صمدا بسكون الميم إذا قصدته.
وعن أبيّ بن كعب : هو الذي (لَمْ يَلِدْ) لأنّ من يلد سيموت ، ومن يرث يورث عنه ففسر الصمد بما بعده. وينبغي أن تجعل هذه التفاسير كلها تفسيرا واحدا فإنه متصف بجميعها فكونه لم يلد لأنه لم يجانس ولم يفتقر إلى من يعينه ، أو يخلف عنه لامتناع الحاجة والفناء عليه لدوامه في أبديته ، والاقتصار على الماضي لوروده ردّا على من قال الملائكة بنات الله ، أو العزير أو المسيح أو غيره.
ولما بين أنه لا فصل له ظهر أنه لا جنس له فدل عليه بقوله تعالى : (وَلَمْ يُولَدْ) لأنه لو تولد عنه غيره تولد هو عن غيره كما هو المعهود والمعقول ، فهو قديم لا أوّل له ، بل هو الأوّل الذي لم يسبقه عدم لأنّ الولادة تتكوّن ولا تتشخص إلا بواسطة المادّة وعلاقتها وكل ما كان مادّيا أو كان له علاقة بالمادة كان متولدا عن غيره ، والله سبحانه وتعالى منزه عن جميع ذلك.
(وَلَمْ يَكُنْ ،) أي : لم يتحقق ولم يوجد بوجه من الوجوه ولا بتقدير من التقادير (لَهُ ،) أي : خاصة (كُفُواً ،) أي : مثلا ومساويا (أَحَدٌ) على الإطلاق ، أي : لا يساويه في قوّة الوجود لأنه لو ساواه في ذلك لكانت مساواته باعتبار الجنس والفصل ، فيكون وجوده متولدا عن الازدواج الحاصل من الجنس الذي يكون كالأمّ ، والفصل الذي يكون كالأب ، وقد ثبت أنه لا يصح بوجه من الوجوه أن يكون في شيء من الولادة ، لأنّ وجوب وجوده لذاته فانتفى أن يساويه شيء. وكان الأصل أن يؤخر الظرف ؛ لأنه صلة لكن لما كان المقصود نفي المكافأة عن ذاته تعالى قدّم تقديما للأهمّ ، ويجوز أن يكون حالا من المستكن في كفؤا ، أو خبرا ، أو يكون كفؤا حالا من أحد وعطف هاتين الجملتين على الجملة التي قبلهما ، لأنّ الثلاث شرح الصمدية النافية لأقسام الأمثال فهي كالجملة الواحدة.
روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «يقول الله تعالى : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأمّا تكذيبه إياي يقول : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أوّل الخلق بأهون عليّ من إعادته ، وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفؤا أحد» (١). وقرأ حمزة بسكون الفاء والباقون بضمها ، وقرأ حفص كفوا بالواو وقفا ووصلا ، وإذا وقف حمزة وقف بالواو.
وروي في فضائل هذه السورة أحاديث كثيرة منها ما روى البخاري عن أبي سعيد الخدري «أن رجلا سمع رجلا يقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) يردّدها فلما أصبح أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فذكر ذلك له ، وكان الرجل يتقللها فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن» (٢). فإن قيل : لم كانت تعدل ثلث القرآن؟
أجيب : بأن القرآن أنزل أثلاثا ثلث أحكام ، وثلث وعد ووعيد ، وثلث أسماء وصفات
__________________
(١) أخرجه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٩٧٤ ، والنسائي في الجنائز حديث ٢٠٧٨.
(٢) أخرجه البخاري في فضائل القرآن حديث ٥٠١٣ ، ٥٠١٤ ، وأبو داود في الصلاة حديث ١٤٦١.