المريض بها كالسكران لا يعي وتخرج بها أقواله وأفعاله عن قانون الاعتدال مجيئا ملتبسا (بِالْحَقِ) أي الأمر الثابت الذي يطابقه الواقع فلا حيلة في الاحتراس منه. وقيل : للميت بلسان الحال إن لم يكن بلسان المقال (ذلِكَ) أي : هذا الأمر العظيم العالي الرتبة الذي يحق لكل أحد الاعتداد له بغاية الجهد (ما) أي : الأمر الذي (كُنْتَ) أي : جبلة وطبعا (مِنْهُ تَحِيدُ) أي : تميل وتنفر وتروغ وتهرب.
تنبيه : قيل الخطاب مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم. قال الرازي : وهو منكر وقيل مع الكافر قال ابن عادل : والأقوى أن يقال هو خطاب عام مع السامع وهذا أولى.
وقوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) عطف على قوله تعالى : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليهالسلام للموت العامّ والبعث العامّ عند التكامل وانقطاع أوان التعامل وهو بحيث لا يعلم قدر عظمه واتساعه إلا الله تعالى وهو عليهالسلام قد التقم الصور من حين بعث النبي صلىاللهعليهوسلم وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر متى يؤمر فيا لها من عظمة ما أغفلنا عنها نسانا لها والمراد بهذه نفخة البعث وقوله تعالى : (ذلِكَ) إشارة إلى الزمان المفهوم من قوله نفخ لأنّ الفعل كما يدل على المصدر يدل على الزمان فكأنه تعالى قال ذلك الزمان العظيم الأهوال والأوجال (يَوْمُ الْوَعِيدِ) أي : للكفار بالعذاب.
(وَجاءَتْ) أي : فيه (كُلُّ نَفْسٍ) أي مكلفة (مَعَها سائِقٌ) أي ملك يسوقها إليه (وَشَهِيدٌ) يشهد عليها بعملها. قال الضحاك : السائق من الملائكة والشاهد من أنفسهم وهو الأيدي والأرجل وغيرها وهي رواية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما وقيل : هما جميعا من الملائكة ، فالسائق كما قيل لا تعلق له بالشهادة لئلا تقول تلك النفس أنه خصم والخصم لا تقبل شهادته وقيل السائق هو الذي يسوقه إلى الموقف ومنه إلى مقعده. والشهيد هو الكاتب والسائق لازم للبرّ والفاجر أما البر فيساق إلى الجنة وأما الفاجر فإلى النار قال تعالى : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الزمر : ٧١] وقال تعالى : (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) [الزمر : ٧٣] والشهيد يشهد عليها بما عملت.
تنبيه : يجوز في جملة معها سائق وشهيد أن تكون في موضع جر صفة لنفس ، وأن تكون في موضع رفع صفة لكل ، وأن تكون في موضع نصب على الحال من كل.
ويقال للكافر : (لَقَدْ كُنْتَ) أي : كونا كأنه جبلة لك (فِي غَفْلَةٍ) أي : عظيمة محيطة بك ناشئة لك (مِنْ هذا) أي : من تصوّر هذا اليوم على ما هو عليه من انقطاع الأسباب والجزاء بالثواب أو العقاب لأنه على شدّة جلائه خفي على من اتبع الشهوات (فَكَشَفْنا) بعظمتنا بالموت ثم البعث (عَنْكَ غِطاءَكَ) الذي كان في الدنيا على قلبك وسمعك وبصرك من الغفلة بالآمال في الحال والمآل وسائر الحظوظ والشهوات (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ) أي بعد البعث (حَدِيدٌ) أي في غاية الحدّة والنفوذ فلذا تقرّ بما كنت تنكر في الدنيا. وقال مجاهد : يعني نظرك إلى لسان ميزانك حين توزن حسناتك وسيئاتك. والمعنى : أزلنا غفلتك فبصرك اليوم حديد وكان من قبل كليلا.
واختلف في القرين في قوله تعالى : (وَقالَ قَرِينُهُ) فأكثر المفسرين على أنه الملك الموكل به فيقول هذا ما أي الذي (لَدَيَّ عَتِيدٌ) أي حاضر ونقل الكرماني عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه الشيطان الذي سلط على إغوائه واستدراجه إلى ما يريد فزين له الكفر والعصيان. ويدل لهذا قوله تعالى (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ) [فصلت : ٢٥] وقال تعالى : (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)