[الزخرف : ٣٦] وقال تعالى (فَبِئْسَ الْقَرِينُ) فالإشارة بهذا إلى المسوق المرتكب الفجور والفسوق. والعتيد معناه المعتدّ للنار ومعناه أن الشيطان يقول هذا العاصي هو شيء عندي معتدّ لجهنم أعددته لها بالإغواء والإضلال.
وقوله تعالى : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) أي : النار التي تلقى الملقى فيها بما كان يعامل به عباد الله تعالى من الكبر والعبوسة (كُلَّ كَفَّارٍ) خطاب من الله تعالى للسائق والشهيد أو للملكين من خزنة النار أو الواحد وتثنية الفاعل منزل منزلة تثنية الفعل وتكريره كأنه قيل ألق ألق وقيل : أراد ألقيا بالنون الخفيفة فأبدلها ألفا إجراء للوصل مجرى الوقف وقيل العرب : تخاطب الواحد مخاطبة الاثنين تأكيدا كقوله (١) :
فإن تزجراني يا ابن عفان أزدجر |
|
وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا |
قال ابن عادل وقيل المأمور مثنى وهذا هو الحق لأنّ المراد ملكان يفعلان ذلك ا. ه وهو القول المتقدّم (عَنِيدٍ) وهو المبالغ في ستر الحق والمعاداة لأهله بغير حجة حمية وأنفة نظرا إلى استحسان ما عنده والثبات عليه تجبرا وتكبرا على ما عند غيره ازدراء له كائنا من كان.
(مَنَّاعٍ) أي : كثير المنع (لِلْخَيْرِ) من المال وغيره من كل معروف يعلق بالمال والمقال والفعال. وقيل المراد الإسلام فإن الآية نزلت في الوليد بن المغيرة لما منع بني أخيه عنه (مُعْتَدٍ) أي : مجاوز للحدود (مُرِيبٍ) أي : داخل في الريب وهو الشك والتهمة في أهل الدين.
وقوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ) أي : الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال (إِلهاً آخَرَ) يجوز أن يكون منصوبا على الذمّ أو على البدل من كل وأن يكون مجرورا بدلا من كفار أو مرفوعا بالابتداء والخبر (فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ) أي : الذي يزيل كل عذوبة (الشَّدِيدِ) ودخلت الفاء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط. ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر أي هو الذي جعل ويكون فألقياه تأكيدا.
(قالَ قَرِينُهُ) مناديا بإسقاط الأداة كدأب أهل القرب إيهاما أنه منهم (رَبَّنا) أي : أيها المحسن إلينا أيتها الخلائق كلهم (ما أَطْغَيْتُهُ) أي : ما أوقعته فيما كان فيه من الطغيان فإني لا سلطان لي عليه وأنت أعلم بذلك (وَلكِنْ كانَ) أي : بجبلته وطبعه (فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) أي : محيط به من جميع جوانبه لا يمكن رجوعه معه فلذلك كان يبادر إلى كل ما يغضب الله تعالى.
تنبيه : هذا جواب لكلام مقدّر فإن الكافر حينما يلقى في النار يقول ربنا أطغاني شيطاني فيقول ربنا ما أطغيته بدليل قوله تعالى : (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ) لأنّ المخاصمة تستدعي كلاما من الجانبين ونظيره قوله تعالى في سورة ص (قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) [ص : ٦٤] إلى قوله تعالى (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) [ص : ٦٤] قال الزمخشري : وهذا يدل على أن المراد بالقرين في الآية المتقدّمة هو الشيطان لا الملك الذي هو شهيد وقعيد.
قال الرازي : وجاءت هذه الآية بلا واو وفي الأولى بواو عاطفة لأن الأولى إشارة وقعت إلى معنيين مجتمعين فإن كل نفس في ذلك الوقت تجيء ومعها سائق وشهيد فيقول الشهيد ذلك القول
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لسويد بن كراع العكلي في لسان العرب (جزز) ، والتنبيه والإيضاح ٢ / ٢٣٩ ، وتاج العروس (جزز) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٨٣٩ ، والمخصص ٢ / ٥.