أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢))
(إِنَّ اللهَ) أي الذي له جميع الصفات (يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا) أي : أوقعوا التصديق (وَعَمِلُوا) تصديقا لما ادعوا أنهم أوقعوه (الصَّالِحاتِ) أي : الطاعات (جَنَّاتٍ) أي : بساتين عظيمة الشأن موصوفة بأنها (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) أي : من تحت قصورها (الْأَنْهارُ) فهي دائمة النموّ والبهجة والنضارة والثمرة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ) أي : في الدنيا بالملاذ ، كما تتمتع الأنعام ناسين ما أمر الله تعالى به معرضين عن كتابه.
(وَيَأْكُلُونَ) على سبيل الاستمرار (كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) أي : أكل التذاذ ومرح من أيّ موضع كان وكيف الأكل من غير تمييز الحرام من غيره ، إذ ليس لهم همة إلا بطونهم وفروجهم ، لا يلتفتون إلى الآخرة ؛ لأنّ الله تعالى أعطاهم الدنيا ، ووسع عليهم فيها ، وفرغهم لها حتى شغلتهم عنه هوانا بهم وبغضا لهم فيدخلهم نارا وقودها الناس والحجارة كما قال تعالى : (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) أي : منزل ومقام ومصير.
ولما ضرب الله تعالى لهم مثلا بقوله تعالى (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) ولم ينفعهم مع ما تقدم من الدلائل ضرب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم مثلا تسلية له. فقال تعالى : (وَكَأَيِّنْ) أي : وكم (مِنْ قَرْيَةٍ) أريد أهلها أي : كذبت رسولها (هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً) وأكثر عددا (مِنْ قَرْيَتِكَ) مكة أي : أهلها وقوله تعالى : (الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) روعي فيه لفظ قرية وقوله تعالى : (أَهْلَكْناهُمْ) أي : بأنواع العذاب روعي فيه معنى قرية الأولى (فَلا ناصِرَ لَهُمْ) يدفع عنهم الهلاك. كذلك نفعل بهم فاصبر كما صبر رسلهم قال ابن عباس : «لما خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال أنت أحب أرض الله إلى الله وأحب بلاد الله إليّ ولو أنّ المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك» فأنزل الله تعالى هذه (١).
(أَفَمَنْ كانَ) أي : في جميع أحواله (عَلى بَيِّنَةٍ) أي : حجة ظاهرة البيان في أنها حق (مِنْ رَبِّهِ) أي : المربي والمدبر له المحسن إليه وهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم والمؤمنون (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ) بتزيين الشيطان بتسليطنا له عليه (سُوءُ عَمَلِهِ) فرآه حسنا وهم : أبو جهل والكفار (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) في ذلك ولا شبهة لهم في شيء من أعمالهم السيئة فضلا عن دليل.
ولما تكرّر ذكر الجنة في هذه السورة بين صفتها بقوله تعالى : (مَثَلُ) أي : صفة (الْجَنَّةِ) أي : البساتين العظيمة التي تستر داخلها من كثرة أشجارها (الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) أي : الذين
__________________
(١) أخرجه بنحوه الترمذي حديث ٣٩٢٥ ، وابن ماجه حديث ٣١٠٨ ، وأحمد في المسند ٤ / ٣٠٥ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ٧ ، ٤٣١.