صلاته ، فلمّا سلّم دعا بصوته ، فقال (١) لنا : «على مصافّكم كما أنتم» ، ثمّ انفتل (٢) إلينا فقال : «أما إنّي سأحدّثكم ما حبسني عنكم الغداة : إنّي قمت من اللّيل فتوضّأت وصلّيت ما قدّر لي فنعست في صلاتي حتى استثقلت ، (٢٨٦ و) فإذا أنا بربي تبارك (٣) وتعالى في أحسن صورة ، فقال (٤) : يا محمد ، قلت : لبيك يا ربّ ، قال : فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت : لا أدري ، قالها ثلاثا ، قال : فرأيته وضع كفّه بين كتفيّ حتى وجدت برد أنامله بين ثدييّ ، فتجلّى كلّ شيء وعرفت يده (٥) ، فقال : يا محمد ، قلت : لبيك يا رب ، قال : فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت : في الكفّارات ، يا ربّ ، قال : ما هو؟ قلت : مشي الأقدام إلى الجماعات ، والجلوس في المساجد بعد الصّلوات ، وإسباع الوضوء حين الكريهات ، قال : ثمّ فيم؟ قال : قلت : إطعام الطّعام ، ولين الكلام ، والصّلاة والنّاس نيام ، قال : سل ، قلت : اللهم إنّي أسألك فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحبّ المساكين ، وأن تغفر لي وترحمني ، وإذا أردت فتنة في قومي فتوفّني غير مفتون ، وأسألك حبّك وحبّ من يحبّك ، وحبّ عمل يقرّب إلى حبّك ، فقال : رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّها حقّ فادرسوها ، ثمّ تعلّموها» (٦). قال : تعالى الله عن التّصوّر والتقدر والتّحيّز إلى الجهات والحلول في الصّور ، ولكنه عزوجل يحلّ روح خطابه محلا محسوسا كإحالة القرآن في المصاحف ، والتوراة في الألواح ، ثمّ يظهر على المحسوس من آياته ما يفيد علما ضروريا.
٧٥ ـ (قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) : لم يكن إبليس ، لعنه الله ، بعد إنكاره على الله سبحانه وتعالى تفضيل آدم عليهالسلام عارفا إيّاه على الحقيقة ، ولكنّه كان يخاطب مخاطبا له من الغيب على سبيل الظّنّ ، ويحلف باسمه (٧) على سبيل العرف والعدة من قبل إنكاره ، كهؤلاء المشركين من أهل الكتاب في أدعيتهم بعد إنكارهم على الله إنزال القرآن على رسوله ، ونسخ الشرائع المتّقدّمة.
٨٦ ـ (مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) : المقوّلين للقرآن ، والمخترعين من ذات نفسه. (٨) ويحتمل : أنّه نفى التّعرّض لعلم الغيب بالكسب والحيلة على طريقة الكهنة والمنجّمة.
__________________
(١) ساقطة من ك.
(٢) ع : أقبل.
(٣) ع : سبحانه.
(٤) ع : قال.
(٥) هذه الكلمة غير موجودة في كتب التخريج. وحذفها هو الصواب.
(٦) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ٢٤٣ ، والترمذي في السنن (٣٢٣٥) ، والدارقطني في رؤية الله ١٦٧ ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، سألت محمد بن إسماعيل [البخاري] عن هذا الحديث فقال : هذا حديث حسن صحيح.
(٧) أي يحلف باسم الله تعالى ، كما في قوله : (قالَ فَبِعِزَّتِكَ) [ص : ٨٢].
(٨) ينظر : تأويلات أهل السنة ٤ / ٢٨٧ ، وزاد المسير ٧ / ٣٩ ، والكشاف ٤ / ١١٠.