وإنّما اختلفوا في سبب نزول الآية لعمومها ، واشتمالها على هذه المعاني كلّها ، وتلاوة رسول الله عليهالسلام إيّاها عند كلّ حادثة في هذه الحوادث ، فمن سمعها عند حادثة ظنّ أنّها نزلت فيها خاصّة ، وقد جمع مجاهد هذه الأقوال وقال : لا تقدّموا بين يدي الله ، أي : لا تفتاتوا (١) على رسول الله بشيء حتى يقضيه الله على لسانه. (٢)
٣ ـ (امْتَحَنَ اللهُ) : ابتلى الله.
٤ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ) : الآيتان نزلتا في حيّ من بني العنبر وهم من بني عمرو بن تميم كان قد أغار عليهم عيينة بن حصن الفزاريّ بأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وسبى منهم سلبا كثيرا ، فحضروا المدينة وقت الهاجرة ، فوجدوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد دخل إلى أهله للقيلولة ، فجعلوا ينادونه من المسجد : يا محمد ، يا محمد ، حتى أيقظوه ، فخرج إليهم وهو يمسح النّوم عن وجهه ، فجعل حكمهم إلى سبرة بن عمرو (٣) ، وهو رجل منهم وعلى دينهم ، فحكم بفداء نصف السّبي وعتق النّصف ، ولو كانوا صبروا حتى يخرج إليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأعتق جميعهم ، وكان ذلك خيرا لهم. (٤)
٦ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ) : السّبب في نزول هذه الآية : أنّ النّبيّ عليهالسلام استعمل الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وهو الفاسق ، على صدقات بني المصطلق ، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهليّة ، فلمّا توجّه إليهم استقبلوه بالطّاعة لوجه الله تعالى ولرسوله عليهالسلام ، فظنّ الفاسق أنّهم استقبلوه ليقتلوه ، فانهزم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وزعم أنّهم خرجوا من الطّاعة ، فهمّ النّبيّ عليهالسلام أن يغزوهم ، فقدموا عليه معتذرين ، فلم يصدّقهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى نزلت الآية. (٥)
٧ ـ قرأ أبو سعيد الخدريّ : (٢٩٨ ظ) (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) قال : هذا نبيّكم يوحى إليه ، وخيار أئمتكم لو أطاعهم في كثير من الأمر لعنتوا ، فكيف بكم اليوم؟ (٦)
[ ...](٧)
__________________
(١) الأصول المخطوطة : لا تفانوا.
(٢) تفسير مجاهد ٦٠٥.
(٣) ينظر : الإصابة في تمييز الصحابة ٣ / ٢٩ ،.
(٤) ينظر : تفسير مقاتل ٣ / ٢٥٩ ، وتفسير السمرقندي ٣ / ٣٠٨.
(٥) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ٧١ ، والطبري ١١ / ٣٨٤ ، وتفسير مبهمات القرآن ٢ / ٥٢٦.
(٦) أخرجه الترمذي في السنن (٣٢٦٩) وقال : حديث حسن صحيح غريب.
(٧) في حاشية الأصل يتحدث عن معنى قوله تعالى : (لَعَنِتُّمْ) ، ولم أكتبه لأنه غير مكتمل بسبب التصوير.