أرسل إليهم ابن أبي [بن](١) سلول المنافق أن لا تبرحوا مكانكم ننصركم ، فاغترّوا بذلك ، وأرسلوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم لسنا بخارجين عن ديارنا ، فاصنع ما أنت صانع ، فكبّر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وسار بأصحابه نحوهم ، وهم مشاة على أرجلهم على المقدّمة الفضل بن عبّاس ، وعلى الميمنة عكاشة بن محصن ، وعلى الميسرة ثابت بن أقرم الأنصاريّ ، فصلّى العصر بفنائهم ، وهم يرمون بالنّبل والحجارة إلى اللّيل ، وانصرف (٢) رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى بيته في عشرة من أصحابه الدّرع ، وهو على فرس ، وقد استعمل عليّا رضي الله عنه على العسكر ، والمسلمون يكبّرون حتى أصبحوا ، ثمّ سار النبيّ عليهالسلام ، وحمل معه قبّة من أديم ليبيت فيها ، فحاصرهم خمسة عشر يوما ، وسعد بن عبادة يحمل إليهم التّمر من المدينة ، وبينهم وبين المدينة مقدار ميلين ، وكان المسلمون يتّقون دورهم (٣) وهم بها على المسلمين ، ففي ذلك قوله تعالى : (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ)، وأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقطع نخلهم ، وكانت خير أموالهم العجوة ، فأخذوا يعيبون المسلمين على ذلك ، ويقولون : إنّكم معشر المسلمين تزعمون أنّكم لا تحبّون الفساد في الأرض ، فكيف تقطعون النّخيل ، وإنّما هي لنا إن ظفرنا ، ولكم إن ظفرتم؟ وطمع بعض المسلمين في ذلك فلم يقطع منها شيئا ، ثمّ اختلفوا فيما بينهم بعد ما استولوا ، فأنزل الله : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ...) الآية [الحشر : ٥] ؛ لأنّ من قطعها قطعها إضرارا باليهود ، ومن تركها تركها نفعا للمسلمين ، وأسلم من بني النّضير يامين بن عمير وأبو سعد (٤) بن وهب ، فأحرزا أموالهما ، وشرط النّبيّ عليهالسلام لليهود أن يخرجوا ولهم ما حملت إبلهم إلا الحلقة ، وهي السلاح ، فخرجوا على ذلك ، وغنم رسول الله صلىاللهعليهوسلم سلاحهم وسائر أموالهم سوى ما حملت الإبل. (٥)
٢ ـ واختلفوا في قوله : (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) فقال القتبيّ (٦) : (الْحَشْرِ) : هو الجلاء. (٧) وهؤلاء اليهود أوّل قوم أجلوا عن ديارهم. وقال الأزهريّ : هو أوّل حشر إلى الشّام ، ثمّ يحشر إليها يوم القيامة. (٨)
وقد روى عكرمة ، عن النّبيّ عليهالسلام قال : «من شكّ أنّ الحشر ليس بالشام فليقرأ : أوّل
__________________
(١) زيادة من كتب التخريج.
(٢) ك : وانصرف.
(٣) أ : دونهم.
(٤) ع : سعيد.
(٥) ينظر غزوة بني النضير وأمر إجلائهم : السيرة النبوية لابن هشام ٣ / ١٥١ وما بعدها.
(٦) الأصل وك وأ : القيسي وع : قيس.
(٧) تفسير غريب القرآن ٤٥٩.
(٨) تهذيب اللغة ١ / ٨٢٧.