لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً)، الآية [الشورى : ٥١] ما يدل على أنّ القول صفته حقيقة» (١).
٦ ـ ومن المعلوم أيضا عن الإمام عبد القاهر الجرجانيّ أنّه نحويّ بصريّ ، فقد تتلمذ على تلميذ الإمام أبي عليّ الفارسيّ ، وهو أبو الحسين الفارسيّ ، أحد أئمة البصريين ، بل لم يكن له شيخ له غيره ، وقد شرح كتابه «الإيضاح» واعتنى به عناية فائقة ، وسمّاه «المغني» وقد بلغ هذا السفر نحوا من ثلاثين مجلدا ، ولكننا نلحظ أنّ مؤلّف هذا الكتاب لم ينقل عن أبي عليّ إلا في موضع واحد فقط (٢).
كما نجده ميّالا إلى مذهب الكوفيين ، فهو يقدّم آراءهم في كثير من الأحيان على آراء البصريين ، ويعتدّ بها ، بل قد يكتفي بذكرها.
٧ ـ هناك أمر يلفت انتباه المتتبع لهذا الكتاب إذ نجد في موضع يقول : «وفي الآية دلالة أنّ صبر الخليفة على جنايات قومه والتغافل عنها جائز لابتغاء المصلحة ، كمنابذته ومضاجرته إيّاهم ، ولذلك يصبر خلفاء نبيّنا صلىاللهعليهوسلم من آل عباس على قبائح هذه الأمّة وافتراق أهوائها» (٣) وكذلك عند حديثه عن قول الله تعالى : (وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) بأنّ المراد هو «أمّة محمد عليهالسلام ، وقد اختصّت بها الخلفاء الأربعة وبنو عمّه الأئمة المهديّون» (٤) ، ولعلّه يقصد به الخلفاء العباسيّين ، وفي هذا الكلام دلالة واضحة على أنّ مؤلف الكتاب كان يميل لخلفاء بني عباس ، على عكس ما ذكر في سيرة عبد القاهر الجرجانيّ أنّه كان يكره الحكام ، ولا يميل إليهم ، ويتبرّم منهم.
٨ ـ أورد في كثير من المواضع ما يخالف نظريّة النظم التي ابتكرها الجرجانيّ ، فنلاحظ أنّه في عدد من المواضع يقول : «كذا لوفق رؤوس الآي» ، وهذا يتعارض مع نظرية النظم ، إذ يقول في دلائل الإعجاز : «واعلم أن ليس النّظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النّحو ، وتعمل على قوانينه وأصوله» (٥). فالتّقديم والتّأخير ، أو تغيير التّركيب لوفق رؤوس الآي لا يتّفق مع قوله : «أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النّحو».
وقد يردّ على ما سبق : أنّ عبد القاهر الجرجانيّ ربّما ألّف «درج الدرر» في أوّل حياته العلمية قبل أن تنضج لديه فكرة نظريّة النظم ، وكان هذا التفسير بداية طريقه مع هذه النظريّة ، لما تضمّن من أمور بلاغيّة كثيرة ، تدلّ على بذرة جيّدة لنظرية النظم ، كما أنّه لم يتتلمذ على أحد
__________________
(١) الأصل (١٦ ظ)
(٢) الأصل (٥٦ ظ).
(٣) الأصل (١٢٥ و)
(٤) درج الدرر ٣١٢.
(٥) دلائل الإعجاز ٧٧.