٥ ـ من المعلوم عن عبد القاهر الجرجانيّ أنّه أشعريّ المذهب عقائديّا ، وهذا ما ذكرته كتب التراجم التي ترجمت له.
ولكن عند الدراسة في عقيدته في هذا الكتاب يتبيّن أنّ مؤلف الكتاب ليس أشعريّ المذهب ، فهو ينهج منهج الإمام أبي حنيفة النعمان في بعض. المسائل العقدية التي ذكرها في تفسيره ، ومن هذه المسائل :
أ ـ قوله بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ، فقد جاء في تفسيره قول الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ) [النساء : ١٥٠] إذ يقول : «وفي الآية دليل على أنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص» (١) ، وهذا القول يقول به الإمام أبو حنيفة رحمهالله تعالى ومن وافقه من بعده فقد جاء في شرح المقاصد (٢) ما نصّه : «وعند أبي حنيفة (رحمهالله) وأصحابه وكثير من العلماء ، وهو اختيار إمام الحرمين ، أنه لا يزيد ولا ينقص ، لأنّه اسم للتصديق البالغ حد الجزم والإذعان ، ولا يتصوّر فيه الزيادة والنقصان».
ب ـ وعند تفسيره قول الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة : ١١٥] ، يقول : «و (وجه الله) ليس كأوجه خلقه ، وهو خالق الوجوه ، متعال عن الحلول في الجهات والأقطار ، وهو أقرب من حبل الوريد ، سبحانه وتعالى. وقد أوّل من أوّل من أصحابنا بأنّه الإقبال بالرحمة والرضوان والقبول ، وهو ممكن أن يكون مرادا» (٣).
ج ـ كذلك عند تفسيره قول الله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) [الأنعام : ١٥٨] يقول : «دليل أنّ إتيان الربّ صفة له لا يجوز حملها على إتيان الأمر ، إذ الشيء لا يعطف على نفسه».
د ـ أمّا عن صفة الكلام فيقول : «والتكليم صفة لله تعالى حقيقية من غير كيفيّة» وذلك عند تفسيره قول الله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء : ١٦٤] ، وأيضا يقول في موضع آخر : «وقول الله تعالى حقيقة ، وقد أكّد بقوله : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء : ١٦٤] ، والتأكيد لنفي إيهام الاستعارة ، وفي فحوى قوله : (وَما كانَ
__________________
(١) الأصل (٩٠ و).
(٢) ٥ / ٢١١.
(٣) الأصل (٣٠ و)