بعضهم في بعض :
«قلتُ : كلامُ الأقرانِ إذا تبرهنَ لنا أنّه بهویً وعَصَبِیّه ، لا يلتَفتُ إليه ، بل يطوی ولا يروی.
كما تقرّر من الكفِّ عن كثير ممّا شَجَرَ بين الصحابهِ وقتالِهم رضي اللّٰه عنهم أجمعين ، وما زال يمُرُّ بنا ذلك في الدواوین والكتب والأجزاء ، ولكن أكثر ذلك منقطعٌ وضعيف ، وبعضُه كذِبٌ ، وهذا فیما بأیدينا وبين عُلمائِنا ، فینبغی طَیُّه وإخفاؤه ، بل إعدامُهُ لتَصفُوَ القلوبُ ، وتتوفّرَ علی حُبِّ الصحابه ، والترضي عنهم ، وكتمانُ ذلك مُتَعيّن عن العامّه وآحاد العُلماء ..
وقد يرخّص في مطالعهِ ذلك خلوهً للعالم المُنصِفِ العَرِیِّ من الهوی ، بشرطِ أن يستغفِرَ لهم ، كما علّمنا اللّٰهُ تعالی حيث يقول : (وَالَّذِينَ جٰاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يقولون رَبَّنَا اغْفِرْ لَنٰا وَلِإِخْوٰانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونٰا بِالْإِيمٰانِ وَلاٰ تَجْعَلْ في قُلُوبِنٰا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا ...) (١).
فالقوم لهم سوابق ، وأعمال مُكفِّرهٌ لِما وقع منهم ، وجهاد محاءٌ ، وعبادهٌ مُمَحِّصهٌ ، ولسنا ممّن يغلو في أحدٍ منهم ، ولا ندّعی فيهم العصمه ، نقطع بأنّ بعضَهم أفضلُ من بعض ، ونقطعُ بأنّ أبا بكر وعُمر أفضلُ الأُمّه ، ثمّ تتمّه العشره المشهود لهم بالجنّه ، وحمزه وجعفر ومعاذ وزيد ، وأُمّهات المؤمنين ، وبنات نبينا صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، وأهل بدر مع كونِهم علی مراتب ..
ثمّ الأفضلُ بعدهم ، مثلُ : أبي الدرداء وسلمان الفارسی وابن عُمر ، وسائر أهل بَیْعَهِ الرضوانِ الّذين رضي اللّٰه عنهم بنصّ آيه سوره الفتح ، ثمّ عموم المهاجرين والأنصار ، كخالد بن الوليد والعبّاس وعبد اللّٰه بن عمرو ، وهذه الحَلْبَه ..
__________________
(١) سوره الحشر ٥٩ : ١٠.