هذا المعني ، الذي لا يدلّ عليه لفظ الحديث ولا يفهمه أحد منه ، ولا يجتمع مع حكمه النبيّ ولا مع بلاغته صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، ولا مع شيء من أفعاله العظیمه وأقواله الجسيمة يوم الغدير ، ولا مع ما أشرنا إليه سابقاً من القرائن القطعية ، مع ما فهمه الحارث بن النعمان الفهری من الحديث ، فأقرّه اللّٰه تعالی علی ذلك ورسوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم والصحابه كافّه.
علی أنّ الأوْلويه المإليه لا تجتمع مع عموم الحديث ؛ لأنّها تستوجب أن لا يكون عليّ مولي الخلفاء الثلاثه ، ولا مولي واحد ممّن مات من المسلمين علی عهدهم ، كما لا يخفي ، وهذا خلاف ما حكم به الرسول ؛ حيث قال صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟! قالوا : بلی. فقال : مَن كنت مولاه ـ يعني من المؤمنين فرداً فرداً ـ فعليّ مولاه ، من غير استثناء كما تری.
وقد قال أبو بكر وعمر لعليّ (١) ـ حين سمعا رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم يقول فيه يوم الغدير ما قال ـ : أمسیت يا ابن أبي طالب مولي كلّ مؤمن ومؤمنه ، فصرّحا بأنّه مولي كلّ مؤمن ومؤمنه ، علی سبيل الاستغراق لجميع المؤمنين والمؤمنات منذ أمسی مساء الغدير.
وقيل لعمر (٢) : إنّك تصنع بعليّ شيئاً لا تصنعه بأحد من أصحاب النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم؟! فقال : إنّه مولأي. فصرّح بأنّه مولاه ، ولم يكونوا حينئذ قد
__________________
(١) في ما أخرجه الدارقطني ؛ كما في أواخر الفصل الخامس من الباب الأوّل من صواعق ابن حجر ، فراجع منها ص ٦٧. وقد رواه غير واحد أيضاً من المحدّثين بأسانيدهم وطرقهم ..
وأخرج أحمد نحو هذا القول عن عمر من حديث البراء بن عازب في ص ٣٥٥ من الجزء الخامس من مسنده. وقد مرّ عليك في المراجعه ٥٤ من هذا الكتاب.
(٢) في ما أخرجه الدارقطني ؛ كما في ص ٦٧ من الصواعق أيضاً.