(حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ) ظاهر هذا أن سليمان وجنوده كانوا مشاة بالأرض ، أو ركبانا حتى خافت منهم النمل ، ويحتمل أنهم كانوا في الكرسي المحمول بالريح ، وأحست النملة بنزولهم في وادي (١) النمل (قالَتْ نَمْلَةٌ) النمل : حيوان بل حشرة فطن قويّ الحس يدخر قوته ، ويقسم الحبة بقسمين لئلا تنبت ، ويقسم حبة الكسبرة على أربع قطع لأنها تنبت إذا قسمت قسمين ، ولإفراط إدراكها قالت هذا القول ، وروي أن سليمان سمع كلامها ، وكان بينه وبينها ثلاثة أميال ، وهذا لا يسمعه البشر إلا من خصه الله بذلك (ادْخُلُوا) خاطبتهم مخاطبة العقلاء ، لأنها أمرتهم بما يؤمر به العقلاء (لا يَحْطِمَنَّكُمْ) يحتمل أن يكون جوابا للأمر ، أو نهيا بدلا من الأمر لتقارب المعنى (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) الضمير لسليمان وجنوده ، والمعنى اعتذار عنهم لو حطموا النمل أي لو شعروا بهم لم يحطموهم (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً) تبسم لأحد أمرين : أحدهما سروره بما أعطاه الله ؛ والآخر ثناء النملة عليه وعلى جنوده ، فإن قولها وهم لا يشعرون : وصف لهم بالتقوى والتحفظ من مضرة الحيوان.
(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) اختلف الناس في معنى تفقده للطير ، فقيل : ذلك لعنايته بأمور ملكه ، وقيل : لأن الطير كانت تظله فغاب الهدهد فدخلت الشمس عليه من موضعه (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) أم منقطعة ، فإنه نظر إلى مكان الهدهد فلم يبصره ، (فَقالَ ما لِيَ) (٢) (لا أَرَى الْهُدْهُدَ) أي لا أراه ولعله حاضر وستره ساتر ، ثم علم بأنه غائب فأخبر بذلك (لَأُعَذِّبَنَّهُ) روي أن تعذيبه للطير كان بنتف ريشه (بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي حجة بينة (فَمَكَثَ) أي أقام ، ويجوز فتح الكاف وضمها ، وبالفتح قرأ عاصم والباقون بالضم ، والفعل يحتمل أن يكون مسندا إلى سليمان عليهالسلام أو إلى الهدهد ، وهو أظهر (غَيْرَ بَعِيدٍ) يعني زمان قريب (أَحَطْتُ) أي أحطت علما بما لم تعلمه (مِنْ سَبَإٍ) يعني قبيلة من العرب ، وجدّهم الذي يعرفون به : سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، ومن صرفه [أي سبأ] أراد الحيّ أو الأب ، ومن لم يصرفه سبأ أراد القبيلة أو البلدة ، وقرئ بالتسكين سبأ لتوالي الحركات ، وعلى القراءة بالتنوين يكون في قوله : من سبإ بنبإ ضرب من أدوات البيان ، وهو التجنيس (وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) المرأة بلقيس بنت شراحيل : كان أبوها ملك اليمن ولم يكن له ولد
__________________
(١). وقف الكسائي وحده على «وادي» بالياء والباقون بغير ياء.
(٢). مالي : قرأ ابن كثير وعاصم والكسائي وابن عامر بفتح الياء ، وقرأ نافع وأبو عمر بإسكانها : مالي.