(قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) أمر الله رسوله أن يتلو الآيات المذكورة بعد هذا ، لأنها براهين على وحدانيته وقدرته ، وأن يستفتح ذلك بحمده ، والسلام على من اصطفاه من عباده ، كما تستفتح الخطب والكتب وغيرها بذلك ، تيمنا بذكر الله ، قال ابن عباس : يعني بعباده الذين اصطفى الصحابة ، واللفظ يعم الملائكة والأنبياء والصحابة والصالحين (آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) (١) على وجه الرد على المشركين ، فدخلت خير التي يراد بها التفضيل لتبكيتهم وتعنيفهم ، مع أنه معلوم أنه لا خير فيما أشركوا أصلا ، ثم أقام عليهم الحجة بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض ، وبغير ذلك مما ذكره إلى تمام هذه الآيات ، وأعقب كل برهان منها بقوله : أإله مع الله (٢) على وجه التقرير لهم ، على أنه لم يفعل ذلك كله إلا الله وحده ، فقامت عليهم الحجة بذلك وفيها أيضا نعم يجب شكرها فقامت بذلك أيضا ، وأم في قوله خير أما يشركون متصلة عاطفة ، وأم في المواضع التي بعده منقطعة بمعنى بل والهمزة (قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) أي يعدلون عن الحق والصواب أو يعدلون بالله غيره أي يجعلون له عديلا ومثيلا (رَواسِيَ) يعني الجبال (الْبَحْرَيْنِ) ذكر في [الفرقان : ٥٣].
(يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ) قيل هو المجهود ، وقيل الذي لا حول له ولا قوّة ، واللفظ مشتق من الضرر : أي الذي أصابه الضرّ أو من الضرورة أي الذي ألجأته الضرورة إلى الدعاء (خُلَفاءَ الْأَرْضِ) أي خلفاء فيها تتوارثون سكناها (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ) يعني الهداية بالنجوم والطرقات (بُشْراً) ذكر في الأعراف : ٥٧ (مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) الرزق من السماء : المطر ومن الأرض : النبات (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) تعجيز للمشركين (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) هذه الآية تقتضي انفراد الله تعالى بعلم الغيب ، وأنه لا يعلمه سواه ، ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها : من زعم أن محمدا يعلم الغيب فقد أعظم الفرية على الله ، ثم قرأت هذه الآية ، فإن قيل : فقد كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
(١). قرأ أبو عمرو وعاصم : يشركون وقرأ الباقون تشركون.
(٢). أإله مع الله قرأها أهل الشام والكوفة هكذا ، ونافع وأبو عمرو : آيله مع الله ، وقرأ ورش وابن كثير : أيله بهمزة واحدة من غير مد. وقرأ هشام عن ابن عامر : ءاإله بهمزتين بينهما مد.